Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 128-129)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : " عزيز " : صفة " الرسول " ، و " عنتم " : فاعله ، و " ما " : مصدرية ، أي : عزيز عليه عَنَتُكُم ، أو عزيز : خبر مقدم ، و " ما عنتم " مبتدأ ، والعنت : المشقة والتعب . يقول الحق جل جلاله : مخاطباً العرب ، أو قريش ، أو جميع بني آدم : { لقد جاءكم رسولٌ من أنفسِكم } محمدٌ صلى الله عليه وسلم ، أي : من قبيلتكم ، بحيث تعرفون حسبه وصدقه وأمانته ، وتفهمون خطابه ، أو من جنسكم من البشر . وقرأ ابن نشيط : بفتح الفاء ، أي : من اشرافكم . قال صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةًَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ، واصْطَفَى قُرَيْشاً مَنْ كِنَانَةَ ، واصْطَفَى بَنِي هَاشِم مِنْ قُريْشٍ ، واصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِم ، فأنا مُصْطَََفى من مُصْطَفَيْن " { عزيزٌ عليه } ، أي : شديد شاق عليه { ما عَنِتُّمْ } أي : عنتكم ومشقتكم ولقاؤكم المكروه في دينكم ودنياكم . { حريصٌ عليكم } أي : على إيمانكم وسعادتكم وصلاح شأنكم ، { بالمؤمنين } منكم ومن غيركم { رؤوف رحيم } أي : شفيق بهم ، قدَّم الأبلغ منهما لأن الرأفة شدة الرحمة للفاصلة . وسمى رسوله هنا باسمين من أسمائه تعالى . { فإن تولَّوا } عن الإيمان بك ، بعد هذه الحالة المشهورة ، التي منَّ الله عليهم بها ، { فقلْ حسبيَ اللهُ } أي : كافيني أمركم فإن قلت ذلك يكفيك شأنهم ويعنيك عليهم ، أو فإن أعرضوا فاستعن بالله وتوكل عليه ، فإنه كافيك ، { لا إله إلا هو } فلا يُتوكل إلا عليه ، { عليه توكلتُ } فلا أرجو ولا أخاف إلا منه ، { وهو ربُّ العرش العظيم } ، أي : المُلك العظيم ، أو الجسم الأعظم المحيط ، الذي تنزل منه الأحكام والمقادير . وعن أُبي : آخر ما نزل هاتان الآيتان . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " ما نَزَل القرآنُ عليَّ إلا آية آيةً ، وحرفاً حرفاً ، ما خَلاَ سورة براءة " و { قل هو الله أحد } فإنهما أُنْزِلَتَا عليَّ ومَعَهُمَا سْبعون ألف صفٍ من الملائكة " . قاله البيضاوي وهاتان الآيتان أيضاً مما وجدَتَا عند خزيمة بن ثابت ، بعد جمع المصحف ، فألحقتا في المصحف ، بعد تذكير الصحابة لهما وإجماعهم عليهما . والله تعالى أعلم . الإشارة : ينبغي لورثته عليه الصلاة والسلام الداعين إلى الله ، أن يتخلقوا بأخلاقه صلى الله عليه وسلم ، فيشق عليهم ما ينزل بالمؤمنين من المشاق والمكاره ، وييسرون ولا يعسرون عليهم ، ويحرصون على الخير للناس كافة ، ويبذلون جهدهم في إيصاله إليهم ، ويرحمونهم ويشفقون عليهم ، فإن ادبروا عنهم استغنوا بالله وتوكلوا عليه ، وفوضوا أمرهم إليه ، من غير أسف ولا حزن . وقال الورتجبي : قوله تعالى : { عزيز عليه ما عنتم } ، اشتد عليه مخالفتنا مع الحق ، ومتابعتنا هوانا واحتجابنا عن الحق . قال بعضهم : شق عليه ركوبكم مراكب الخلاف . قال سهل : شديد عليه غفلتكم عن الله وهو طرفة عين . ثم قال في قوله تعالى : { فإن تولوا فقل حسبي الله … } الآية : سَلى قلبه بإعراضهم عن متابعته ، مع كونه حريصاً على هدايتهم ، أي : ففي الله كفاية عن كل غير وسِوى . قال القشيري : أمَره أن يَدْعُو الخَلْقَ إلى التوحيد ، ثم قال له : فإِنْ أَعرضوا عن الإجابة فكُنْ بنا ، بنعت التجريد . ويقال : قال له : { يا أيها النبي حسبك الله } ، ثم أمره أن يقول : حسبي الله . قوله تعالى : { حسبك } : عين الجمع ، وقوله : { حسبي الله } فَرْق ، بل هو الجمع ، أي : قُلْ ، ولكن بنا تقول ، فنحن المتولون عنك وأنت مُستَهْلَكٌ في عين التوحيد فأنت بنا ، ومَحْوٌ عن غيرنا . هـ . وبالله التوفيق . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .