Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 12-15)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { وإن نكثُوا أَيمانَهم } أي : نقضوها { من بعدِ عهدهم } أي : من بعد ما أعطوكم من العهود على الوفاء بها ، { وطعنوا في دينكم } بصريح التكذيب وتقبيح الأحكام ، { فقاتِلُوا أئمّةَ الكفر } أي : فقاتلوهم لأنهم أئمة الكفر ، فوضع أئمة الكفر موضع الضمير للدلالة على أنهم صاروا بذلك ذوي الرئاسة والتقدم في الكفر ، فهم أحِقاء بالقتل ، وقيل : المراد رؤساء المشركين ، والتخصيص : إما لأن قتلهم أهم وهم أحق به ، أو للمنع من مراقبتهم ، { إنهم لا أَيمان لهم } على الحقيقة ، وإلاًَّ لم يقدروا أن ينكثوها ، واستشهد به الحنفية على أن يمين الكافر لا تلزم ، وهو ضعيف لأن المراد ، نفي الوثوق عليها ، لا أنها ليست بأيمان . قاله البيضاوي . قلت : وما قالته الحَنَفِيِّةُ هو مذهب المالكية ، إذا حنث في حال الكفر ، ثم أسلم ، فلا يلزمه شيء . وقرأ ابن عامر بكسر الهمزة ، أي : لا أيمان لهم صحيحاً يعصم دماءهم . { لعلهم ينتهون } أي : ليكن غرضكم في مقاتلتهم أن ينتهوا عما هم عليه ، كما هي طريقة أهل الإخلاص لا إيصال الإذاية لهم ، أو مقابلة عداوة . ثم حضَّ على قتالهم فقال : { أَلاَ تُقاتِلُون قوماً نَكَثُوا أَيمانهم } التي حلفوها للرسول صلىالله عليه وسلم وللمؤمنين على ألا يعاونوا عليهم ، فعاونوا بني بكر على خزاعة ، { وهمّوا بإخراج الرسول } حين تشاوروا في أمره بدار الندوة على ما مرّ ، { وهم بدؤوكم أول مرة } بالمعاداة والمقاتلة لأنه عليه الصلاة والسلام بدأهم بالدعوة ، وإلزام الحجة بالكتاب والتحدي به ، فعدلوا عن معارضته إلى المعاداة والمقاتلة ، فما يمنعكم أن تعارضوهم وتصادموهم ، { أتخشونهم } أي : أتهابون قتالهم حتى تتركوا أمري ، { فالله أحقُّ أن تخشَوه إن كنتم مؤمنين } فإن قضية الإيمان ألا يُخاف إلا منه . ثم وعدهم بالنصر فقال : { قاتلوهم يُعذِّبْهُم الله بأيديكم ويُخْزِهِمْ } يُهنهم بالقتل والأسر ، { وينصركُمْ عليهم } ، فيمكنكم من رقابهم ، ويملككم أموالهم ونساءهم ، { وَيشْفِ صدورَ قومٍ مؤمنين } ، يعني : بني خزاعة شفوا صدورهم من بني بكر لأنهم كانوا أغاروا عليهم وقتلوا فيهم . وقيل : بطوناً من اليمن قدموا مكة وأسلموا ، فلقوا من أهلها أذى شديداً ، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " أبشروا ، فإن الفرج قريب " . { ويُذْهِبْ غيظَ قلوبهم } بما لقوا منهم حين أغاروا عليهم ، وقد أوفى الله بما وعدهم بفتح مكة وهوازن . والآية من المعجزات . قاله البيضاوي . وهذا يقتضي أن هذا التخصيص كان قبل الفتح ، فيلتئم مع ما بعده ، ويبعد اتسامه مع ما قبله من البراءة ، ونبذ العهد والإعلام بذلك لكونه بعد الفتح ، والله أعلم . قاله المحشي . ويمكن الجواب بأن يكون صدر السورة بعد الفتح ، وبعضها من قوله : وإن أحد من المشركين … إلخ نزل قبل الفتح ، فإن الآيات كانت تنزل متفرقة فيقول صلى الله عليه وسلم : " اجعلوا هذه الآية في محل كذا " . والله تعالى أعلم . ثم أخبر تعالى بأن بعض المشركين يتوب من كفره بقوله : { ويتوبُ اللَّهُ على من يشاءُ } هدايته ، فيهديه للإيمان ، ثم يتوب عليه ، وقد كان ذلك في كثير منهم . { والله عليمٌ } بما كان يكون ، { حكيم } لا يفعل ولا يحكم إلا على وفق حكمته . الإشارة : من رجع عن طريق القوم ، ونقض عهد الأشياخ ، ثم طعن في طريقهم ، لا يرجى فلاحه ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، أعني في طريق الخصوص لأنه جمع بين نقض العهد والطعن على الأولياء ، وقد قال تعالى : " من آذى لي ولياً فقد آذنني بالحرب " ومن رجع عنها لضعف ووهن ، مع بقاء الاعتقاد والتسليم ، فربما تقع الشفاعة منهم فيلحق بهم ، بخلاف الأول ، فقد تقدم عن القشيري ، في سورة آل عمران ، أنهم يريدون الشفاعة فيه ، فيخلق الله صورة على مثله ، فإذا رأوها تركوا الشفاعة فيه ، فيبقى مع عوام أهل اليمين . فانظره . وبالله التوفيق . ثم عاتبهم على تأخر بعضهم عن الجهاد ، فقال : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ } .