Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 17-18)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { ما كان للمشركين } أي : ما صح لهم { أن يعمرُوا مساجدَ الله } أي : شيئاً من المساجد ، فضلاً عن المسجد الحرام ، وقيل : هو المراد ، وإنما جمع لأنه قبلة المساجد وإمامها ، فأمره كأمرها ، ويدل عليه قراءة من قرأ بالتوحيد ، أي : ليس لهم ذلك ، وإن كانوا قد عمروه تغلباً وظلماً ، حال كونهم { شاهدين على أنفسهم بالكفر } بإظهار الشرك وتكذيب الرسول ، أي : ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متباينين : عمارة بيت الله ، وعبادة غير الله ، { أولئك حَبِطَتْ أعمالُهم } في الدنيا والآخرة لما قارنها من الشرك والافتخار بها ، { وفي النار هم خالدون } لأجل كفرهم . { إنما يَعْمُرُ مساجدَ الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة } ، أي : إنما تستقيم عمارتها بهؤلاء الجامعين للكمالات العلمية والعملية ، ومن عمارتها : تزيينها بالفرش ، وتنويرها بالسرج ، وإدامة العبادة والذكر ودروس العلم فيها ، وصيانتها مما لم تبن له كحديث الدنيا . وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى : " إِنَّ بُيُوتِي في أَرْضِي المَسَاجدُ وإنَّ زُوَّاري فيهَا عُمَّارُهَا ، فَطُوبى لعَبْدٍ تَطَهَّرَ في بَيْتِهِ ، ثُمَّ زَارَني في بَيْتِي ، فَحَقٌ عَلَى المَزُوِر أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَه " ووقف عبد الله بن مسعود على جماعة في المسجد يتذاكرون العلم فقال : بأبي وأمي العلماء ، بروح الله ائتلفتم ، وكتاب الله تلوتم ، ومسجد الله عمرتم ، ورحمة الله انتظرتم ، أحبكم الله ، وأحب من أحبكم . هـ . وإنما لم يذكر الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم لما علم أن الإيمان بالله قرينُه وتمامه الإيمانُ به ، ولدلالة قوله : " وأقام الصلاة وآتى الزكاة " عليه . قال البيضاوي . { ولم يخش } في أموره كلها { إلا الله } ، فهذا الذي يصلح لعمارة بيت الله ، { فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين } ، وعبَّر بعسى ، قطعاً لأطماع المشركين في الاهتداء والانتفاع بأعمالهم ، وتوبيخاً لهم على القطع بأنهم مهتدون فإن كان اهتداء هؤلاء ، مع كمالهم ، ودائراً بين عسى ولعل ، فما ظنك بأضدادهم ؟ ، ومنعاً للمؤمنين أن يغتروا بأحوالهم فيتكلوا عليها . وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : " مَنْ رَأَيْتُمُوهُ يَتَعَاهَدُ المسجِد فاشهدوا لَهُ بالإيمان " ثم تلا الآية . الإشارة : مساجد الحضرة محرمة على أهل الشرك الخفي والجلي ، لا يدخل الحضرة إلا قلب مفرد ، فيه توحيد مجرد ، لا يعمر مساجد الحضرة ألا قلب مطمئن بالله ، غائب عما سواه ، قد رفض الركون إلى الأسباب ، وأفرد الوجهة لمسبب الأسباب ، قطع الشواغل والعلائق حتى أشرقت أنوار الحقائق . وإنما يعمر مساجد حضرة القدوس من آمن بالله واليوم الآخر ، وأقام صلاة القلوب ، وآتى زكاة النفوس ، ولم يراقب أحداً من المخلوقين ، فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين إلى حضرة رب العالمين . ولما أفتخر قومٌ من قريش بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ، بيَّن الله تعالى أنَّ الجهاد أفضل من ذلك ، فقال : { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } .