Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 19-22)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : السقاية والعمارة : مصدران ، فلا يشبهان بالجثة ، فلا بد من حذف ، أي : أجعلتم أهل سقاية الحاج كمن آمن ، أو جعلتم سقاية الحاج كإيمان من آمن . يقول الحق جل جلاله : { أجعلتُم } أهل { سِقَايةَ الحاجِّ ، و } أهل { عمارة المسجدِ الحرام } من أهل الشرك المحبطة أعمالُهم ، { كمن آمن باللَّهِ واليوم الآخر } من أهل الإيمان ، { وجاهَد في سبيل الله } لإعلاء كلمة الله ، المثبتة أعمالهم ، بل { لا يستوون عند الله } أبداً لأن أهل الشرك الذين حبطت أعمالهم في أسفل سافلين ، إن لم يتوبوا ، وأهل الإيمان والجهاد في أعلى عليين . ونزلت الآية في علي كرم الله وجهه والعباس وطلحة بن شيبة ، افتخروا ، فقال طلحة : أنا صاحب البيت ، وعندي مفاتحه ، وقال العباس : أنا صاحب السقاية ، وقال علي رضي الله عنه : لقد أسلمت وجاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبيَّن الله تعالى أن الإيمان والجهاد أفضل ، ووبخ من افتخر بغير ذلك فقال : { والله لا يهدي القوم الظالمين } أي : الكفرة الذين ظلموا أنفسهم بالشرك ، ومعاداة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وداموا على ذلك ، وقيل : المراد بالظالمين : الذين يسوون بينهم وبين المؤمنين . ثم أكد بقوله : { الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظمُ درجةً } ، وأعلى رتبة ، وأكثر كرامة ، { عند الله } ، ممن لم يستجمع هذه الصفات ، أو من أهل السقاية والعمارة عندكم ، { وأولئك هم الفائزون } بكل خير ، الظافرون بنيل الحسنى والزلفى عند الله ، دون من عداهم ممن لم يفعل ذلك . ثم زاد في كرامتهم فقال : { يُبشرهم ربُّهم برحمةٍ منه } أي : تقريب ، وعطف منه { ورضوان وجنات لهم فيها } أي : في الجنان { نعيم مقيم } دائم ، لا نفاد له ولا انقطاع . وتنكير المبشر به إشعار بأنه وراء التعيين والتعريف ، حال كونهم { خالدين فيها أبداً } ، أكد الخلود بالتأبيد لأنه قد يطلق على طُول المكث ، { إن الله عنده أجر عظيم } يُستحقر دونه مشاق الأعمال المستوجبة له ، أو نعيم الدنيا إذ لا قدر له في جانب نعم الآخرة . الإشارة : لا يستوي من قعد في وطنه مع عوائده وأسبابه ، راكناً إلى عشائره وأحبابه ، واقفاً مع هواه ، غافلاً عن السير إلى مولاه ، مع من هاجر وطنَه وأحبابَه ، وخرق عوائده وأسبابَه ، وجاهد نفسه وهواه ، سائراً إلى حضرة مولاه ، لا يستوون أبداً عند الله لأن هؤلاء مقربون عند الله ، والآخرون في محل البعد عن الله ، ولو كثر علمهم وعملهم عند الله ، شتان بين من همته القصور والحور ، وبين من همته الحضور ورفع الستور ، يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان ، وجنات المعارف لهم فيها نعيم لأرواحهم ، وهو الشهود والعيان ، لا يحجب عنهم طرفة عين ، إن الله عنده إجر عظيم ، لا يخطر على قلب بشر لا حرمنا الله من ذلك . ثم نهى عن موالاة أهل الغفلة وإن قربُوا نسباً ، فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ } .