Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 23-24)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم } الذين بقوا على كفرهم { أولياءَ } توالونهم بالمحبة والطاعة ، { إِن استحبوا الكفرَ } واختاروه على الإيمان . نزلت في شأن المهاجرين فإنهم لما أُمروا بالهجرة قالوا : إن هاجرنا قطعنا آباءنا وأبناءنا وعشائرنا ، وذهبت تجارتنا ، وبقينا ضائعين . وقيل : نزلت فيمن ارتد ولحق بمكة ، فنهى الله عن موالاتهم . { ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون } بوضعهم الموالاة في غير موضعها . { قل إِن كان آباؤكُم وأبناؤكُم وإِخوانُكم وعشيرتُكم } أي : أصحابكم ، أو أقرباؤكم ، { وأموال اقترفتُموها } اكتسبتموها ، { وتجارة تخشوْنَ كسادَهَا } أي : فوات وقت إنفاقها ، { ومساكنُ ترضونها } لحسنها وسعتها ، فإن كان ذلك { أحبَّ إليكم من الله ورسولهِ } أي : من الإيمان بالله وصحبة ورسوله ، { وجهادِ في سبيله } ، فآثرتم ذلك ، وتخلفتم عن الإيمان والهجرة ، { فتربصوا حتى يأتي اللَّهُ بأمره } أي : بعقوبة عاجلة أو آجلة ، أو بنصر وفتح على المؤمنين ، كفتح مكة وغيرها ، والمراد بالمحبة : الاختيارية دون الطبيعة فإنها لا تدخل تحت التكليف ، والتحفظ عنها لأن حب الأوطان والعشائر طبيعي ، والحب المكلف به اختياري ، بحيث يجاهد نفسه في إبدال الطبيعي بالاختياري . ثم هدد من وقف مع حب الأوطان بقوله : { والله لا يهدي القوم الفاسقين } لا يرشدهم ولا يوفقهم . وفي الآية تهديد عظيم ، وقلَّ من تحفظ عنه . قاله البيضاوي . الإشارة : الهجرة من أوطان الغفلة واجبة ، ومفارقة الأصحاب والعشائر الذين لا يوافقون العبد على النهوض إلى الله فريضة ، فيجب على المريد أن يهاجر من البلد التي لا يجد فيها قلبه ، ولا يجد فيها من يتعاون به على ربه ، كائنة ما كانت ، وما رأينا ولياً قط أنتج في بلده ، إلا القليل ، فلما هاجر صلى الله عليه وسلم من وطنه إلى المدينة . وحينئذ نصر الدين ، بقيت سنة في الأولياء ، لا تجد ولياً يعمر سوقُه إلا في غير بلده ، ويجب عليه أيضاً أن يعتزل من يشغله عن الآباء والأبناء والأزواج والعشائر ، وكذلك الأموال والتجارات التي تشغل قلبه عن الله ، بعد أن يقيم في أولاده حقوق الشريعة ، فاللبيب هو الذي يجمع بين الحقيقة والشريعة ، فلا يضيع من يعول ، ولا يترك حق من يتعلق به من الزوجة أو غيرها ، ويذكر الله مع ذلك ، فيخالطهم بحسه ، ويفارقهم بقلبه ، فإن لم يستطع وأراد دواء قلبه فليخير الزوجة ، ويُوكل من ينوب عنه في القيام بحقوق العيال ، حتى يقوى قلبه ويتمكن مع ربه ، { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَّهُ مَخرَجَاً وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لاَ يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَّكَّل عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسبُه } [ الطلاق : 2 3 ] . ولإبراهيم بن أدهم رضي الله عنه : @ هَجَرْتُ الخَلْقَ طُرّاً في رِضاكَا وأَيْتَمْتُ البَنينَ لِكَيْ أَرَاكَا فَلَوْ قَطَّعْتَني إِرْباً فَإرْباً لِمَا حنَّ الفُؤَادُ إِلَى سِوَاكَا @@ وبالله التوفيق . ثم ذكر بالنعم ، فقال : { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ } .