Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 28-28)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نَجَس } أي : عين الخبث ، مبالغة في خبثهم ، إما لخبث باطنهم بالكفر ، أو لأنهم لا يتطهرون من النجاسات ، ولا يتوقون منها ، فهم ملابسون لها غالباً . وعن ابن عباس رضي الله عنه : أن أعيانهم نجسة كالكلاب . قاله البيضاوي . { فلا يقربوا المسجدَ الحرام } ، وهو نص على منع المشركين وهم عبدة الأوثان من المسجد الحرام ، وهو مجمع عليه ، وقاس مالك على المشركين جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم ، وقاس على المسجد الحرام سائر المساجد ، ومنع جميع الكفار من جميع المساجد . وجعلها الشافعي عامة في الكفار ، خاصةً بالمسجد الحرام ، فمنع جميع الكفار من دخول المسجد الحرام خاصة ، وأباح دخول غيره ، وقصرها أبو حنيفة على موضع النهي ، فمنع المشركين خاصة من دخول المسجد الحرام وأباح لهم دخول سائر المساجد ، وأباح دخول أهل الكتاب في المسجد الحرام وغيره . قاله ابن جزي . قوله تعالى : { بعدَ عامهم هذا } يعني : سنة تسع من الهجرة ، حين حج أبو بكر بالناس ، وقرأ عليٌّ رضي الله عنه عليهم سورة براءة . { وإن خِفْتُمْ عَيلةً } أي : فقرأ بسبب منع المشركين من الحرم ، وكانوا يجلبون لها الطعام ، فخاف الناس قلة القوت منها ، إذا انقطع المشركون عنهم ، فوعدهم الله بالغنى بقوله : { فسوف يغْنيِكُم الله من فضله } من عطائه وتفضله بوجه آخر . وقد أنجز وعده بأن أرسل السماء عليهم مدراراً ، وأسلمت العرب كلها ، وتمادى جلب الطعام إلى مكّة ، ثم فتح عليهم البلاد ، وجلبت لهم الغنائم ، وتوجه الناس إليهم من أقطار الأرض ، وما زال كذلك إلى الآن . وقيده بالمشيئة لتنقطع الآمال إلى الله ، ولينبه على أنه متفضل في ذلك وإن الغنى الموعود يكون لبعض دون بعض ، وفي عام دون عام ، { إن الله عليمٌ } بأحوالكم ، { حكيم } فيما يعطي ويمنع . الإشارة : بيوت الحضرة وهي القلوب المقدسة لا ينبغي أن يدخلها شيء من شرك الأسباب ، أو الوقوف مع رفق الأصحاب ، أو الركون إلى معلوم حتى يفرد التعلق بالحي القيوم ، ولا ينبغي أيضاَ أن يدخلها شيء من نجاسة حس الدنيا وأكدارها وأغيارها ، فيجب على أربابها الفرار من مواطن الكدر ، والعزلة عن أربابها لئلا يدخل فيها شيء من نجاستها ، فتموت بعد حياتها ، وكان عيسى عليه الصلاة والسلام يقول لأصحابه : لا تجالسوا الموتى فتموت قلوبكم ، قالوا : من الموتى يا روح الله ؟ قال : المحبون للدنيا الراغبون فيها . فإن خفتم علية بالفرار منهم واعتزال نجاستهم ، فسوف يغنيكم الله من فضْلِ غَيْبه إن شاء في الوقت الذي يشاء ، إذ لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء . والله تعالى أعلم قال القشيري : { إنما المشركون نجس } أي : لأنهم فقدوا طهارة الأسرار ، فبقوا في مزابل الظنون والأوهام ، فَمُنِعُوا قُربانَ المساجد التي هي مساجدُ القرب ، وأما المؤمنون فطهَّرهم عن التدنُّس بشهود الأغيار ، فطالعوا الحقَّ فرْدوا فيما ينشيه من الأمر ويُمضيه من الحُكم . هـ . ثم أمر بجهاد أهل الكتاب ، فقال : { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } .