Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 36-36)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : عند الله : معمول لعدة لأنها مصدر ، و في كتاب الله : صفة لاثني عشر ، و يوم : متعلق بالثبوت المقدر في الخبر ، أي : ثابتة في كتاب الله يوم خلق الأكوان والزمان . وقوله : منها : أي : الأشهر ، ثم قال : فيهن . وضابط الضمير إن عاد على الجماعة المؤنثة ، حقيقة أو مجازاً ، إن كانت أكثر من عشرة ، قلتَ : منها وفيها ، وإن كانت أقل من عشرة ، قلت : منهن وفيهن ، قال تعالى : { يَأكُلُهُنّ } [ يوسف : 46 ] وقال هنا : فيهن . انظر الإتقان . و كافة : حال من الفاعل أو المفعول . يقول الحق جل جلاله : { إِنَّ عِدَّة الشهور } في كل سنة { عند الله } في علم تقديره ، { اثنا عشرَ شهراً } : أولها المحرم ، وآخرها ذو الحجة . وأول من جعل أولها المحرم : عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وهذه العدة ثابتة { في كتاب الله } اللوح المحفوظ ، أو في حكمه ، أو القرآن ، { يومَ خَلَقَ السموات والأرض } ، هذا أمر ثابت في نفس الأمر منذ خلق الله الأجرام والأزمنة ، { منها } أي : الأشهر { أربعة حُرُم } ، واحد فرد ، وهو رجب ، وثلاثة سَرد : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، { ذلك الدين القيم } أي : تحريم الأشهر الحرم هو الدين القويم ، دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وتمسكت به العرب حتى غيَّره بعضهم بالنسيء ، { فلا تظلموا فيهن أنفسَكم } بهتك حرمتها والقتال فيها ، ثم نسخ بقوله : { وقاتلوا المشركين كافةً } أي : في الأزمنة كلها { كما يُقاتلونكم كافة } لأنهم ، إن قاتلتموهم فيها قاتلوكم فهذا نسخ لتحريم القتال في الأشهر الحرم . وقال عطاء : لا يحل للناس أن يغزوا في الأشهر الحرم ، ولا في الحَرم ، إلا أن يُبدئوا بالقتال ، ويرده غزوه صلى الله عليه وسلم حُنيناً والطائف في شوال وذي القعدة . { واعلموا أن الله مع المتقين } بالنصر والمعونة ، وفيه بشارة وضمان لهم بالنصر بسبب تقواهم . الإشارة : أهل الفهم عن الله : الأزمنةُ كلها عندهم حُرُم ، والأمكنة كلها عندهم حَرامٌ ، فهم يحترمون أوقاتهم ويغتنمون ساعاتهم لئلا تضيع . قال الحسن البصري : أدركت أقواماً كانوا على ساعاتهم أشفق منكم على دنانيركم ودراهيمكم ، يقول : كما لا يخرج أحدكم ديناراً ولا درهماً إلا فيما يعود عليهم نفعه ، كذلك لا يحبون أن يخرجوا ساعة من أعمارهم إلا فيما يعود عليهم نفعة وقال الجنيد رضي الله عنه : الوقت إذا فات لا يُستدرك ، وليس شيء أعز من الوقت . هـ . وكل جزء يحصل له من العمر غير خال من عمل صالح ، يتوصل به إلى مُلْك كبير لا يفنى ، ولا قيمة لما يوصل إلى ذلك لأنه في غاية الشرف والنفاسة ، ولأجل هذا عظمت مراعاة السلف الصالح لأنفسهم ، ولحظاتهم ، وبادروا إلى اغتنام ساعاتهم وأوقاتهم ، ولم يضيعوا أعمارهم في البطالة والتقصير ، ولم يقنعوا من أنفسهم لمولاهم إلا بالجد والتشمير ، وإلى هذه الإشارة بقوله : فلا تظلموا فيهن أنفسكم بتضييعها في غير ما يقرب إلى الله . ثم أمر بجهاد القواطع ، التي تترك العبد في مقام الشرك الخفي ، وبَشَّرهُم بكونه معهم بالنصر والتأييد ، والمعونة والتسديد . ثم عاب على المشركين ما أحدثوا من النسيء ، فقال : { إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ } .