Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 34-35)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : يحمى عليها : الجار والمجرور : نائب الفاعل ، وأصله : يوم تحمى النار الشديدة الحمى عليها ، فجعل الإحماء للنار مبالغةً ، ثم حذفت النار ، وأسند الفعل إلى الجار والمجرور تنبيهاً على المقصود ، فانتقل من صيغة التأنيث إلى صيغة التذكير . يقول الحق جل جلاله : { يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموالَ الناس بالباطل } يأخذونها بالرشا في الأحكام ، وسَمى أخذ المال أكلاً لأنه الغرض الأعظم منه ، { ويصدون عن سبيل الله } أي : يعوقون الناس عن الدخول في دينه ، { والذين يكنزون الذهبَ والفِضةَ } أي : يدخرونها { ولا يُنفقونها } أي : الأموال المفهومة من الذهب والفضة ، أو الكنوز ، أو الفضة ، واكتفى بذكرها عن الذهب إذ الحُكم واحد ، { فبشِّرهم بعذاب أليم } وهو الكي بها ، وهذا الحكم يحتمل أن يرجع لكثير من الأحبار والرهبان ، فيكون مبالغة في وصفهم ، بالحرص على المال وجمعه ، وأن يراد به المسلمون الذين يجمعون الأموال ، ويقتنونها ولا يؤدون حقها ، ويكون اقترانه بأكلة الرشا من أهل الكتب للتغليظ . ويدل عليه : أنه لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " إِنَّ الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيِّبَ بها ما بقي من أموالكم " . وقوله عليه الصلاة والسلام ـ : " ما أدى زَكَاته فَلَيْسَ بِكَنْز " . وقال أبو ذر وجماعة من الزهاد : كل ما فضل عن حاجة الإنسان فهو كنز ، وحمل الآية عليه . ثم ذكر وعيدهم فقال : { يوم يُحمَى عليها } أي : على الأموال المكنوزة ، { في نار جهنم } أي : يوم توقد النار ذات الحمى الشديد عليها ، حتى تكون صفيحة واحدة ، { فتُكوى بها جباهُهم وجنوبهم وظهورهُم } ، خصهم بالعذَاب ، لأنهم كانوا يعرضون عن السائل ، ويُولون ظهره ، فيعرضون عنه بجباههم وجنوبهم . أو لأنها أشرف الأعضاء ، لاشتمالها على الدِّماغ والقلب والكبد . أو لأنها أصول الجهات الأربع ، التي هي مقادم الإنسان مؤخره وجنبتاه . يقال لهم : { هذا ما كنزتم لأنفسكم } أي : لمنفعتها ، وكان عينَ مضرتها وسببَ تعذيبها ، { فذُوقوا ما كنتم تكنِزُون } أي : وبال كنزكم ، أو ما كنتم تكنزونه . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ صَاحِب ذهبٍ ولا فضْةٍ لا يُؤدِّي منها حقّها إلاّ إذا كان يومُ القيامة صُفحت له صفائح من نَار ، فأحمي عليها من نار جهنم ، فيُكوى بها جبينُه وجنبه وظهرُه ، كلما بردت أُعيدت له ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله : إما إلى الجنة وإما إلى النار " . رواه مسلم بطوله . قال ابن عطية : روي أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : قد ذم الله تعالى كسب الذهب والفضة ، فلو علمنا أي المال خير حتى نَكْسبه ؟ فقال عمر : أنا أَسأل لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله ، فقال : " لِسان ذاكر ، وقلب شَاكر ، وزَوْجَة تُعينُ المرء على دينهِ " . ورُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ، لما نزلت الآية : " تَبّاً للذَّهَبِ والفِضَّةِ " . فحينئذٍ أشفق أصحابه ، وقالوا ما تقدم . هـ . لابن حجر . @ من خير ما يتخذ الإنسانُ في دنياه كيما يستقيمَ دينُه قلبٌ شكور ، ولسانٌ ذاكر ، وزوجةٌ صالحة تُعينُه @@ وهو نظم لهذا الحديث ، وقد تكلم عليه في المجامع وشرحِه . قاله المحشي . الإشارة : هذه الآية تغبُر في وجوه علماء السوء ، الذين يتساهلون في أكل الدنيا بالعلم ، كقبض الرشا ، وقبض ما فوق أجرته في الأحكام ، فترى بعض قضاة الجور يقبضون المثاقيل على إنزال يده على الحكم ، مع أنه واجب عليه ، حيث تعين عليه بنصب الإمام له ، وتجر ذيلها على أغنياء الدنيا ، الذين يجمعون الأموال ويكنزونها ، فترى أحدهم ينفق في نزهته وشهوة نفسه الأموال العريضة ، وإذا أتاه فقير يسأله درهماً أو درهمين ، تَمَعَّر وجهه ، وتغير لونه ، فبشرهم بعذاب أليم . وبالله التوفيق . ولما ذكر وعيد من لم يزك كنزه ، ذك الحول التي تجب به الزكاة ، فقال : { إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً } .