Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 40-40)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : " إن " : شرط ، وجوابه محذوف ، دلّ عليه قول : { فقد نصره الله } أي : إن لم تنصروه فسينصره الله ، الذي نصره حين أخرجه الذين كفروا ، حال ثاني اثنين ، فدل بنصره في الماضي على نصره في المستقبل ، وإسناد الإخراج إلى الكفرة لأن همهم بإخراجه أو قتله كان سبباً لإذن الله له في الخروج ، و إذ هُما : بدل من أخرجه بدل البعض ، و إذ يقول : بدل ثان ، و كلمة الله : مبتدأ ، و العليا : خبر ، وقرأ يعقوب : بالنصب عطفاً على { كلمة الذين كفروا } ، والأول : أحسن للإشعار بأن كلمة الله عالية في نفسها ، فاقت غيرها أم لا . يقول الحق جل جلاله : { إلاّ تنصروهُ } تنصروا محمداً ، وتثاقلتم عن الجهاد معه ، فسينصره الله ، كما نصره حين { أخرجه الذين كفروا } من مكة ، حال كونه { ثاني اثنين } أي : لم يكن معه إلا رجل واحد ، وهو الصدِّيق ، { إِذْ هما في الغار } نقب في أعلى غار ثور ، وثور جبل عن يمين مكة ، على مسيرة ساعة . { إِذْ يقول لصاحبه } : أبي بكر رضي الله عنه : { لا تحزنْ إنَّ الله معنا } بالعصمة والنصرة . رُوي أن المشركين طلعوا فوق الغار يطلبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين فقدوه من مكة ، فأشفق أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عليه الصلاة والسلام : " ما ظَنُّكَ باثنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهِما " فأعماهم الله عن الغار ، فجعلوا يترددون حوله فلم يروه . وقيل : لما دخل الغار بعث الله حمامتين ، فباضتا في أسفله ، والعنكبوت نسجت عليه . { فأنزل اللَّهُ سكِينَتُه } أي : أًمْنَه الذي تسكن إليه القلوب ، { عليه } أي : على رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو على صاحبه ، { وأيَّده بجنودٍ لم تَرَوها } ، يعني الملائكة ، أنزلهم ليحرسوه في الغار ، أو يوم بدر وأحد وغيرهما ، فتكون على هذا : الجملة معطوفة على : { فقد نصره الله } . { وجعلَ كلمةَ الذين كفروا } وهي الشرك ، أو دعوى الكفر ، { السفلى وكلمةُ الله } التي هي التوحيد ، أو دعوة الإسلام ، { هي العُليا } حيث خلص رسوله صلى الله عليه وسلم من بين الكفار ، ونقله إلى المدينة ، ولم يزل ينصره حتى ظهر التوحيد وبطل الكفر ، { والله عزيزٌ } غالب على أمره ، { حكيم } في أمره وتدبيره . الإشارة : ما قيل في حق الرسول صلى الله عليه وسلم يقال في حق ورثته ، الداعين إلى الله بعده من العارفين بالله ، فيقال لمن تخلف عن صُحبَة ولي عصره وشيخ تربية زمانه : إلا تنصروه فقد نصره الله وأعزه ، وأغناه عن غيره ، فمن صحبه فإنما ينفع نفسه ، فقد نصره الله حين أنكره أهله وأبناء جنسه ، كما هي سنة الله في أوليائه ، لأن الداخل على الله منكور ، والراجع إلى الناس مبرور ، فمن دخل مع الخصوص قطعاً أنكرته العموم ، فنخرجه ثاني اثنين هو وقبله ، فيأوي إلى كهف الأنس بالله ، والوحشة مما سواه ، فيقول لقلبه : لا تحزن إن الله معنا ، فينزل الله عليه سكينة الطمأنينة والتأييد ، وينصره باجناد أنوار التوحيد والتفريد ، فيجعل كلمة أهل الإنكار السفلى ، وكلمة الداعين إلى الله هي العليا ، والله عزيز حكيم . ثم نَهَّضَهم إلى الجهاد ، فقال : { ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ } .