Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 41-42)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : يُهلكون : حال من فاعل يحلفون ، أو بدل منه . قال في القاموس : الشقة بالضم والكسر : البُعد والناحية يقصدها المسافر ، والسفر ، البعيد والمشقة . هـ . يقول الحق جل جلاله : { انفرُوا } للجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، حال كونكم { خِفافاً } نشاطاً ، { وثِقالاً } كسالى لمشقته ، أو خفاقاً لمن قَلَّ عياله ، وثقالاً لمن كثر عياله ، أو خفافاً لمن كان فقيراً ، وثقالاً لمن كان غنياً ، أو خفافاً ركباناً ، وثقالاً مشاة ، أو خفافاً بلا سلاح ، وثقالاً بالسلاح ، أو خفافاً شباباً ، وثقالاً شيوخاً ، أو خفافاً أصحاء ، وثقالاً مرضى . ولذلك قال ابنُ أمِّ مكتوم لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أَعَليَّ الغزو يا رسول الله ؟ قال : " نعم " حيث نزل : { ليسَ عَلَيكُم جُناح } [ النور : 61 ] . { وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله } أي : بما أمكن إمّا بهما أو بأحدهما ، { ذلكم خير لكم } ، مِنْ تركه ، { إن كنتم تعلمون } ما في ذلك من الأجر العظيم والخير الجسيم ، أي : لو علمتم ذلك ما قعدتم خلف سرية . ثم عاتب من أراد التخلف ، فقال : { لو كان عرضاً قريباً } من الدنيا ، { وسفراً قاصداً } متوسطاً أو قريباً ، { لاتَّبعوك } أي : لو كان ما دعوا إليه أمراً دنيوياً ، كغنيمة كبيرة ، أو سفراً متوسطاً ، لاتبعوك ولوافقوك على الخروج ، { ولكن بَعُدتْ عليهم الشُّقَّةُ } أي : المسافة التي تقطع بمشقة ، وذلك أن الغزوة أي : تبوك كانت إلى أرض بعيدة ، وكانت في شدة الحر ، وطيب الثمار ، فشقت عليهم . { وسيحلفون بالله } أي : المتخلفون إذا رجعت من تبوك ، معتذرين ، يقولون : { لو استطعنا } الخروج { لخرجنا معكم } ، لكن لم تكن لنا استطاعة من جهة العُدة والبدن وهذا إخبار بالغيب قبل وقوعه . { يُهلِكُونَ أنفسهم } بوقوعها في العذاب ، { والله يعلم إِنهم لكاذبون } في ذلك لأنهم كانوا مستطيعين الخروج ، وإنما قعدوا كسلاً وجُبْناً ، والله تعالى أعلم . الإشارة : انفروا إلى الجهاد أنفسكم وقطع علائقكم وعوائقكم ، لكي تستأهلوا لدخول حضرة ربكم ، وسافروا إلى من يعينكم ويقوي مدد أجناد أنواركم ، وهم المشايخ العارفون ، فسيروا إليهم خفافاً وثقالاً ، ونشاطاً وكُسَّالاً ، والغالب أن النفس يشق عليها ما يكون سبباً في قتلها فلا ينفر إليها خفافاً أول مرة إلا النادر . ثم أمر ببذل الأموال والمُهج في طريق الوصول إلى حضرة الله ، وعاتب من تخلف عن ذلك وطلب الراحة والبقاء في وطن نفسه . قال القشيري : أمرهم بالقيام بحقه ، والبدار إلى أداء أمره على جميع أحوالهم ، { خفافاً } أي : في حال حضور قلوبكم ، فلا يمسُّكم نَصَبُ المجاهدات ، { وثقالاً } أي : إذا رُدِدتُم إليكم في مقاساة نصب المكابدات . فإن البيعةَ أُخِذَتْ عليكم في المنشط والمكره . هـ . ومثله عند الورتجبي عن أبي عثمان قال : خفافاً وثقالاً في وقت النشاط والكراهية ، فإن البيعة على هذا وقعت ، كما روى عن جرير بن عبد الله أنه قال : بايعنا رسول الله على المنشط والمكره . هـ . ثم عاتب رسولَه صلى الله عليه وسلم لشدة قربه ، وعظيم منزلته ، وتَلَطَّفَ له على إذنه للمنافقين في التخلف ، فقال : { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } .