Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 84-85)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : أبداً : ظرف لمات ، أي : مات في مدة لا حياة بعدها فإنا حياة الكافر للتعذيب ، وهي كلا حياة . يقول الحق جل جلاله : لنبيه صلى الله عليه وسلم : { ولا تُصَلِّ على أحدٍ } من المنافقين إذا مات على كفره ، بحيث مات أبداً أي : موتة لا حياة بعدها . نزلت في عبد الله بن أُبي رأس المنافقين ، فإنه لما مرض ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله أن يستغفر له ويكفنه في ثوبه الذي يلي جسده ، ويصلي عليه ، فلما مات أرسل قميصه ليُكفن فيه ، وذهب ليصلي عليه ، فنزلت . وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تقدم للصلاة عليه جَذَبَه جبريل بثوبه ، وتلا عليه الآية فانصرف ، ولم يصلِّ عليه . وقيل : صلى عليه ثم نزلت . وفي البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تقدمَ للصلاة عليه جَذَبَهُ عمر ، فقال : كيف تصلي عليه وقد نهاك ربك عن الصلاة على المنافقين ؟ فقال : " إِنَّما خَيَّرَنِي … " الحديث . قال البيضاوي : وإنما لم ينه عن التكفين في قميصه ، ونهى عن الصلاة عليه لأن الضنة بالقميص كانت مُخِلة بالكرم ، ولأنه كان مكافأة لإلباس العباس قميصه حين أُسر ببدر ، والمراد من الصلاة : الدعاء للميت والاستغفار له ، وهو ممنوع في حق الكافر ، ولذلك رتب النهي على قوله : مات أبداً يعني : الموت على الكفر ، فإن إحياء الكافرين للتعذيب ، دون التمتع ، فكأنه لم يحيى . هـ . واستدل ابن عبد الحكم ، بهذه الآية ، على وجوب الصلاة على المؤمنين ، وقرر اللخميُّ وجه الدليل منها بطريق النهي عن الشيء أمر بضده لأن ضد النهي عن الصلاة أمر بها . وأبطله المازوي قائلاً : وإنما هو من دليل الخطاب ، ومفهوم المخالفة ، وبيان عدم صحة كونها من باب النهي عن الشيء ، أَنَّ شرط ذلك اتحاد متعلق الأمر والنهي ، كقولك لزيد : لا تسكن ، ومعناه تحرك ، ومتعلقهما هنا مختلف ، فمتعلق النهي : المنافقون ، ومتعلق الأمر : المؤمنون . وكذا رد كونها دالة مفهوم المخالفة . انظر الحاشية الفاسية . ثم قال تعالى : { ولا تَقُم على قبره } أي : ولا تقف على قبره للدفن ، أو الزيارة ، ثم علل النهي فقال : { إِنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا } ، والحال أنهم { فاسقون } خارجون عن دائرة الإسلام . ثم نهى عن الاغترار بمالهم فقال : { ولا تُعجِبُكَ أَموالُهم وأولادهم إنما يريد اللهُ أن يُعذبهم بها في الدنيا وتزهَق أنفسهم وهم كافرون } ، وقد تقدم ، وإنما كرره للتأكيد ، وهو حقيق به فإن الأبصار طامحة إلى الأموال والأولاد ، والنفوس مجبولة على حبهما ، فكرر النهي عن الاغترار بهما ، ويجوز أن تكون هذه فريق آخر غير الأول . والله تعالى أعلم . الإشارة : إذا حصل للعبد القرب من الحبيب قربت منه الأشياء كلها ، ورغبت في خُلّته الملائكةُ والجنُّ والإنسُ والروحانيون ، فإذا مات صلت على جسده أجناد الأرض ، وعلى روحه أجناد السماء ، وفرحت بقدومه الملائكة والروحانيون ، وربما شفعه الله في أهل عصره أجمعين ، وإذا حصل للعبد البعد من ربه بعدت عنه الأشياء كلها ، ورفضت جسده وروحه الجن والإنس والملائكة ، فلا يصل عليه أحد ، ولا يقف على قبره بشر ، فالحذر الحذر من كل ما يبعد من حضرة الحبيب من المخالفات والإصرار على الزلات ، فإنه بريد الكفر ، الذي هو البعد الكبير والعياذ بالله ـ . والبدارَ البدارَ إلى ما يقرب من الحبيب ، من أنواع الطاعات ، والمسارعة إلى الخيرات ، وسائر الأخلاق الحسنة والشيم المستحسنة . وبالله التوفيق . ثم أشار إلى تخلفهم عن الجهاد مع قدرتهم عليه فقال : { وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ } .