Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 90, Ayat: 11-20)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { فلا اقتحم العقبةَ } ، الاقتحام : الدخول بشدة ومشقة والعقبة : كل ما يشق على النفس من الأعمال الصالحات ، و " لا " هنا إمّا تحضيضية ، أي : هلاَّ اقتحم العقبة ، وإمّا نافية ، أي : فلم يشكر تلك الأيادي والنِعم ، من البصر وما بعده ، بالأعمال الصالحة من فك الرقاب وما سيذكره ، فإن قلت : " لا " النافية إذا دخلت على الماضي ولم تكن دعائية وجب تكرارها ؟ فأجاب الزمخشري : بأنها مكررة في المعنى ، أي : فلا اقتحم ولا فك رقبة ولا أطعم مسكيناً … الخ . ثم عظَّم تلك العقبة بقوله : { وما أدراك ما العقبةُ } أي : أيّ شيء أعلمك ما هي العقبة التي أُمر الإنسان باقتحامها ، أو نفي عنه اقتحامها ؟ ثم فسّرها بقوله : { فَكُ رقبةٍ } أي : هي إعتاق رقبة أو إعانة في أداء كتابتها . قال ابن جُزي : وفك الأسارى من الكفار أعظم أجراً من العتق لأنه واجب ولو استغرقت فيه أموال المسلمين ، ولكنه لا يجزي في الكفارات . هـ . { أو إِطعامٌ في يومٍ ذي مَسْغَبةٍ } أي : مجاعة { يتيماً ذا مقربةٍ } أي : قرابة ، { أو مسكيناً ذا متربةٍ } ذا فقر ، يقال : ترِب فلان : إذا افتقر والتصق بالتراب ، ومَن قرأ " فكَ " و " أطعمَ " بصيغة الماضي فبدل من " اقتحم " ، { ثم كان من الذين آمنوا } اي : دام على إيمانه ، أو : ثُم كان حين فعل ما تقدّم من المؤمنين فيحنئذ ينفعه ذلك ، وإنما جاء بـ " ثم " لتراخي الإيمان وتباعده في الرتبة والفضيلة عن العتق والصدقة لا في الوقت ، إذ الإيمان هو السابق على غيره ، إذ لا يقبل عمل صالح إلاّ به ، { وتَوَاصَوا بالصبرِ } عن المعاصي وعلى الطاعات ، أو : المحن التي يُبتلى بهما المؤمن ، { وتَوَاصَوا بالمرحمةِ } بالتراحم فيما بينهم . { أولئك أصحابُ الميمنةِ } أي : الموصوفون بهذه الصفات هم أصحاب اليمين واليمْن ، { والذين كفروا بآياتنا } بما نصبناه دليلاً على الحق من كتاب وحجة ، أو بالقرآن { هم أصحابُ المشئمةِ } أي : الشمال أو الشؤم ، { عليهم نار موصدة } مُطْبَقة ، من أوصدت الباب وآصدته : إذا أغلقته . الإشارة : هلاَّ اقتحم مريد الوصول العقبةَ ، وهي سلوك الطريق ، بخرق عوائد النفس وترك هواها وجَرِّها إلى مكروهها ، وعن الحسن رضي الله عنه : عقبة والله شديدة ، يُجاهد الإنسانُ نفسَه وهواه ، وعدوه الشيطان . هـ . ثم فسَّرها بفك الرقبة ، أي : رقبة نفسه يفكها من أن يملكه السِّوى ، أو : يفكها من الذنوب والعيوب ، أو فكها من رِقّ الطمع في الخلق ، فإنه بذر شجرة الذل ، أو : فكها من سجن الأكوان إلى فضاء شهود المكوِّن ، أو : فك رقبة الغافل الجاهل من رِقّ نفسه بتذكيره ووعظه أو تربيته ، أو إطعام روح جائعة من اليقين ، إمّا يتيماً لا أب له روحاني ، أي لا شيخ له ، فتذكِّره بما يتقوّى به إيقانه ، أو فقيراً من أسرار التوحيد ترابيًّا أرضيًّا ، فترقّيه إلى سماء الأسرار ، ثم كان ممن آمن بطريق الخصوص ، وتواصَى بالصبر على مشاق السير ، والتراحم والتوادد والتواصل ، كما هو شأن أهل النسبة ، فهؤلاء هم أهل اليُمْن والبركة ، وضدهم ممن جحدوا أهل الخصوصية هم أهل الشؤم . وبالله التوفيق ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله .