Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 92, Ayat: 1-11)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { والليلِ إِذا يغشى } أي : حين يغشى الشمس ، كقوله تعالى : { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } [ الشمس : 4 ] أو : كل ما يواريه بظلامه . وقال القشيري : إذا يغشى الأفق وما بين السماء والأرض فيستره بظلمته . { والنهارِ إِذا تَجَلَّى } أي : ظهر وأسفر ووضح ، { وماخَلَقَ الذكَرَ والأُنثى } أي : والقادر الذي خلق الذكر والأنثى من كل ما له توالد مِن ماءٍ واحد ، وقيل : هما آدم وحواء ، و " ما " بمعنى " من " أو مصدرية . وقُرىء " والذكر والأنثى " وقرىء " الذي خلق الذكر والأنثى " . جواب القسم : { إِنَّ سعيَكم } أي : عملكم { لشتَّى } لمختلف ، جمع شتيت ، أي : إنّ مساعيكم لأشتات مختلفة . ثم فصّله فقال : { فأّمَّا مَن أعطى } حقوق ماله { واتقى } محارمَ الله التي نهى عنها ، { وصدَّق بالحسنى } بالخصلة الحُسنى ، وهي الإيمان ، أو بالكلمة الحسنى ، وهي كلمة التوحيد أو بالملة الحسنى ، وهي الإسلام ، أو بالمثوبة الحسنى ، وهي الجنة ، والتصديق هو أن يرى أنَّ ما وعده اللهُ به يوصله إليه ، ولا يجري على قلبه خاطر شك { فسَنُيَسِّره لليُسرى } فسنهيئه للطريقة التي تؤدي إلى الراحة واليُسر ، كدخول الجنة ومبادئه . قال ابن عطية : معناه : سنظهر عليه تيسيرنا إياه بما يتدرج فيه من أعمال الخير ، وحَتْم تيسيره كان في علم الله أزلاً . هـ . يقال : يسَّرَ الفرس ، إذا أسرجها وألجمها . { وأمّا مَن بَخِلَ } بماله فلم يبذله في سبيل الخير ، { واستغنَى } أي : زهد فيما عند الله تعالى ، كأنه مستغنٍ عنه فلم يتقه ، أو : استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الآخرة ، { وكَذَّب بالحُسنى } أي : بالخصلة الحسنى ، على ما ذكر من معانيها { فسَنُيَسِّره للعُسرى } أي : للخصلة المؤدّية إلى العسر والشدة ، كدخول النار ومقدماته ، لاختياره لها . وقال الإمام أي الفخر ـ : كل ما أدّت عاقبته إلى الراحة والأمور المحمودة ، فذلك اليسرى ، وهو وصف كل الطاعات وكل ما أدّت عاقبته إلى التعب والردى ، فذلك العُسرى ، وهو وصف كل المعاصي . هـ . { وما يُغني عنه مالُه } الذي بَخِلَ به ، أي : لا ينفعه شيئاً { إِذا تَرَدَّى } هَلَكَ ، تفعّل ، من الردى ، أو تردَّى في حفرة القبر ، أو في قعر جهنّم ، والعياذ بالله . الإشارة : أقسم تعالى بليل الحجاب ، إذا يغشى القلوبَ المحجوبة ، ونهار التجلِّي إذا يغشى القلوب الصافية ، وكأنه تعالى أقسم بقهر جلاله ، ولُطف جماله ، وقدرته على خلق أصناف الحيوانات ، إنَّ سعي الناس لشتى ، فأمّا مَن أعطى مالَه ونفسَه ، واتقى كلَّ ما يشغله عن المولى ، فَسنُيَسِّره لسلوك الطريق اليُسرى ، التي توصل إلى حضرة المولى . وقال الورتجبي : سهّل له طريقَ الوصول إليه ، ويرفع عنه الكلفة والتعب في العبودية . وقال القشيري : نُسَهِّلُ عليه الطاعات ، ونُكَرِّه إليه المخالفات ، ونهيىء له القُربَ ، ونُحَبِّبُ له الإيمان ، ونُزَيِّن في قلبه الإحسان . هـ . وأمَّا مَن بَخِلَ بماله ونفسه ، واستغنى عن معرفة ربه معرفة العيان وقنع بمقام الإيمان ، فسَنُيسره للعُسرى ، وهي طريق البُعد والحجاب ، كاشتغاله بحب الدنيا ، وجمع المال ، وما يُغني عنه ماله إذا تردى في مهاوي البُعد والردى . ولمّا عَرَّفهم أنَّ سعيهم لشتى ، ذكر أنه بَيَّنَ ما عليه ، فقال : { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } .