Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 104-105)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ أهل الكوفة إلاّ الكسائي وابن عامر يوم { يأت } بغير ياء . الباقون بياء في الوصل دون الوقف ، إِلا ابن كثير ، فانه أثبت الياء في الحالين . قال أبو علي : من أثبت الياء في الوصل ، فهو القياس البين ، لأنه لا شيء - ها هنا - يوجب حذف الياء في الوصل ، ومن حذفها في الوقف شبهها بالفاصلة ، وان لم يكن فاصلة ، لأن هذه الياء تشبه الحركات المحذوفة بدلالة انهم قد حذفوها كما حذفوا الحركة ، فكما ان الحركة تحذف في الوقف ، فكذلك ما يشبهها من هذه الحروف ، فكان في حكمها ، ومن اثبتها في الحالين فقد أحسن ، لأنها أكثر من الحركة في الصوت ، فلا ينبغي اذا حذفت الحركة للوقف ان تحذف الياء له ، كما لا تحذف سائر الحروف ، ومن حذف الياء في الحالين جعلها في الحالين بمنزلة ما يستعمل محذوفاً مما لم يكن ينبغي في القياس ان يحذف نحو ( لم يك ، ولا أدر ) وهي لغة هذيل ، وقال الشاعر : @ كفاك كفاً لا تليق درهماً جواداً وأخرى تعط بالسيف الدما @@ فحذف الياء في تعط ، وليس هذا ما يوجب حذفها . والضمير في قوله { وما نؤخره } عائدعلى قوله { يوم مشهود } وهو يوم الجزاء . ومعناه الاخبار بأنه تعالى ليس يؤخر يوم الجزاء إِلا ليستوفي الاجل المضروب لوقوع الجزاء فيه . وانما قال { لأجل } ولم يقل الى اجل ، لان قوله { لأجل } يدل على الغرض ، وان الحكمة أقتضت تاخيره . ولو قال الى اجل لما دل على ذلك . وقوله { يوم يأتِ } يعنى يوم القيامة الذي تقدم ذكره بأنه مشهود . والضمير في { يأتِ } حين الجزاء ، لانه قد تقدم الدليل عليه في قوله { يوم مشهود } واحسن الاضمار ما يدلّ الكلام عليه ، وانما أضاف { يوم } الى الفعل ، لانه اسم زمان فناسب الفعل للزمان من حيث انه لا يخلو منه ، وانه يتصرف بتصرفه . وانه لا يكون حادثاً الا وقتاً ، كما ان الزمان لا يبقى . ومعنى قوله { لا تكلم نفس إلا بإذنه } أي لا تتكلم فحذف أحدى التائين لدلالة الكلام عليه . وقيل في معنى { لا تكلم } قولان : احدهما - ان فيه وقتاً يمنعون من التكلم إلا بالحق فهو باذنه تعالى . والاخر - انه لا يتكلم بكلام ينفع إلا بإذنه : من شفاعة ووسيلة ، بدلالة قولهم { والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون } وقال الجبائي : الاذن الجاؤهم الى الحسن ، لانه لا يقع منهم ذلك اليوم قبيح . وقوله { فمنهم شقي وسعيد } اخبار منه تعالى بأنهم ينقسمون قسمين منهم الاشقياء ، وهم المستحقون للعقاب ، ومنهم السعداء وهم المستحقون للثواب . والشقاء قوة أسباب البلاء ، والشقي من شقي بسوء عمله في معاصي الله ، والسعيد من سعد بحسن عمله في طاعة الله ، وانما وصف الاجل بأنه معدود ، لانه متناه منقض ، لان كل معدود قد وجد عدده ، لا يكون ذلك الا متناهياً . فان قيل كيف قال - ها هنا - { يوم يأتِ لا تكلم نفس إلا بإذنه } وقال في موضع آخر { هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون } وقال في موضع آخر { يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها } وقال { وقفوهم إنهم مسئولون } وقال في موضع آخر { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } وهل هذا إلا ظاهر التناقض ؟ ! . قلنا : لا تناقض في ذلك لان معنى قوله { وقفوهم إنهم مسئولون } انهم يسألون سؤال توبيخ وتقرير وتقريع ، لا يجاب الحجة عليهم لا سؤال استفهام ، لانه تعالى عالم بذلك لنفسه . وقوله { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } اي لا يسأل ليعلم ذلك منه حيث انه تعالى قد علم اعمالهم قبل ان يعملوها . وقيل ان معناه إنه لاى يسأل عن ذنب المذنب إنس ولا جان غيره ، وانما يسأل المذنب لا غير ، وكذلك قوله { يوم لا ينطقون } أي لا ينطقون بحجة ، وانما يتكلمون بالاقرار بذنوبهم ولوم بعضهم بعضاً ، وطرح بعضهم على بعض الذنوب ، فاما المتكلم بحجة ، فلا . وهذا كما يقول القائل لمن يخاطبه بخطاب كثير فارغ من الحجة : ما تكلمت بشيء ، وما نطقت بشيء ، فسمي من يتكلم بما لا حجة فيه له : غير متكلم ، كما قال { صم بكم عمي فهم لا يعقلون } وهم كانوا يبصرون ويسمعون إلا انهم لا يقبلون ولا يفكرون فيما يسمعون ، ولا يتأملون ، فهم بمنزلة الصم ، قال الشاعر : @ أصم عما ساءه سميع @@ وقال بعضهم ان ذلك اليوم يوم طويل له مواضع ، ومواطن ، ومواقف ، في بعضها يمنعون من الكلام ، وفي بعضها يطلق لهم ذلك بدلالة قوله { يوم يأتِ لا تكلم نفس إلا بإذنه } وكلاهما حسن والاول احسن .