Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 106-107)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أخبر الله تعالى في هذه الآية ان الذين شقوا باستحقاقهم عذاب النار جزاء بسوء اعمالهم داخلون في النار ، وانما سمي الشقي شقياً قبل دخوله في النار ، لانه على حال تؤديه الى دخولها ، من قبائح اعماله . فاما ما روي من قوله ( ع ) ( إن الشقي شقيّ في بطن امه ) ، فجاز ، لان المعنى ان المعلوم من حاله انه سيشقى بارتكاب المعاصي التي تؤديه الى عذاب النار ، كما يقال لولد شيخ هرم هذا يتيم ومعناه انه سيتيتم . وقوله { لهم فيها زفير وشهيق } قال أهل اللغة : الزفير أول نهاق الحمير ، والشهيق آخر نهاقها ، قال رؤبة : @ حشرج في الجوف سحيلاً أو شهق حتى يقال ناهق وما نهق @@ والزفير ترديد النفس مع الصوت من الحزن حتى تنتفخ الضلوع قال الجعدي : @ خيط على زفيرة فتم ولم يرجع الى دقة ولا هضم @@ وأصل الزفير الشدة من قولهم للشديد الخلق المزفور ، والزفر الحمل على الظهر خاصة لشدته ، قال الشاعر : @ طوال انضية الاعناق لم يجدوا ريح الاماء إذا راحت بأزفار @@ والزفر السيد ، لانه يطيق عمل الشدائد ، وزفرت النار اذا سمع لها صوت في شدة توقدها ، والشهيق صوت فظيع يخرج من الجوف عند النفس . واصله الطول المفرط من قولهم : جبل شاهق أي ممتنع طولا . وقوله { خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض } فالخلود الكون في الامر أبداً ، والدوام البقاء أبداً ، ولهذا يوصف الله تعالى بأنه دائم ، ولا يوصف بأنه خالد . وقوله { إلا ما شاء ربك } اختلفوا في هذا الاستثناء على عدة أقوال : فالذي نختاره - ويليق بمذهبنا في الارجاء - ان الله تعالى أخبر ان الاشقياء المستحقين للعقاب يحصلون في النار ثم استثنى من أراد من فساق أهل الصلاة إذا أراد التفضل باسقاط عقابه ، أو من يشفع فيه النبي صلى الله عليه وسلم فانه عند ذلك لا يدخله النار وتكون - على هذا - ( ما ) معناها ( من ) كأنه قال الا من شاء ربك ، فلا يدخله النار ، وهو قول ابن عباس وقتادة والضحاك ، وجابر بن عبد الله ، وابي سعيد الخدري وجماعة من المفسرين . ويجوز على هذا المذهب أن يكون استثناء من الخلود ، فكأنه قال إلا ما شاء ربك بأن لا يخلدهم في النار بل يخرجهم عنها . وقال قتادة : ذكر لنا أن ناساً يصيبهم سفع من النار بذنوب اصابوا ، ثم يدخلهم الله الجنة بفضله ورحمته يقال لهم الجهنميون ، قال قتادة وحدثنا أنس ابن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يخرج قوم من النار . وقال قتادة : ولا نقول ما يقول اهل حروراء . وروي عن ابن عباس أنه قال قوله { لابثين فيها أحقاباً } وقوله { خالدين فيها إلا ما شاء ربك } في اهل التوحيد . وروي عن ابن مسعود أنه قال : ليأتين على جهنم زمان تخفق ابوابها ليس فيها أحد . وذلك بعد أن يلبثوا فيها أحقابا . وقال الشعبي : جهنم أسرع الدارين عمرانا ، واسرعهما خراباً . ثانيها - قال ابن زيد وحكاه الرماني : إن المعنى خالدين فيها ما دامت السموات سموات ، والارض أرضاً إلا ما شاء ربك ، من الزيادة المضاعضة . وثالثها - قال الجبائي : إن المعنى ما دامت السموات لاهل الآخرة وأرضهم إلا ما شاء ربك مما كان قبل أن يدخلوها من أوقات وقوفهم في صدر يومهم في الموقف ، لان الله تعالى قال { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات } . ورابعها - ما ذكره كثير من أهل العربية كالفراء والزجاج وغيرهم : ان ( إلا ) في الاية بمعنى ( سوى ) والتقدير ما دامت السموات والارض سوى ما شاء ربك كما يقول القائل : لو كان معنا رجل إلا زيد أي سوى زيد ، ولك عندي ألف درهم الا الألفين التي لك عندي ، أي سوى الألفين . ومثله قوله { ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } أي سوى ما قد سلف ، لأن قوله { ولا تنكحوا } مستقبل { وإلا ما شاء ربك } ماض ، والمعنى على هذا { خالدين فيها } مقدار دوام السموات والأرض سوى { ما شاء ربك } من الخلود والزيادة . وخامسها - ما قال الفراء : إن ( الا ) بمعنى الواو كما قال الشاعر : @ وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك الا الفرقدان @@ وعلى هذا لو قال القائل لك عندي ألف الا الفين لزمه ثلاثة آلاف درهم ، لأنه أستثناء الزائد من الناقص ، فكأنه قال الا ألفين منفردين . ولو قال ما لك عندي الف الا الفين فانما أقر بألفين كأنه قال ما لك عندي سوى الفين . ولو قال لك عندي ألف الا ألفان بالرفع أقر بألف فقط ، لأنها صفة مثبتة ، كأنه قال الف لا الفان . وسادسها - أن ذلك تعليق لما لا يكون بما لا يكون ، كأنه قال { إلا ما شاء ربك } وهو لا يشاء ان يخرجهم منها وتكون الفائدة أن لو شاء أن يخرجهم لقدر ، ولكنه قد أعلمنا انهم خالدون أبداً . وسابعها - ذكره الزجاج : ان الاستثناء وقع على أن لهم زفيراً وشهيقاً إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب التي لم يذكرها . وثامنها - ذكره البلخي : ان المراد بذلك الا ما شاء ربك من وقت نزول الآية الى دخولهم النار ، ولولا هذا الاستثناء لوجب ان يكونوا في النار من وقت نزول الآية أو من يوم يموتون . فان قيل كيف يستثنى من الخلود فيها ما قبل الدخول فيها ؟ ! قلنا : يجوز ذلك إذا كان الاخبار به قبل دخولهم . وتاسعها - ما ذكره قوم من اصحابنا في التفسير إن المعنى انهم فيها يعني في النار في حال كونهم في القبور دائمين فيها ما دامت السموات والارض ، فانها اذا عدمت انقطع عقابهم الى أن يبعثهم الله للحساب . وقوله { إلا ما شاء ربك } مما يكون في الآخرة . وقوله { إن ربك فعال لما يريد } معناه انه كلما أراد شيئاً فعله ، لانه لا يجوز عليه البداء بالرجوع عما أراده ، ولا المنع من مراده ولا يتعذر عليه شيء منه مع كثرته بارادة من أفعاله .