Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 118-119)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
آيتان في الكوفي والبصري تمام الاولى عند قوله مختلفين وهي آية فيما سوى ذلك . هذه الآية تتضمن الاخبار عن قدرته تعالى بأنه لو شاء تعالى لجعل الناس أمة واحدة أي على دين واحد ، كما قال { إنا وجدنا آباءنا على أمة } وقال { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة } أي على دين واحد بأن يلجئهم الى الاسلام بأن يخلق في قلوبهم العلم بأنهم لو داموا على غير ذلك لمنعوا منه ، لكن ذلك ينافي التكليف ويبطل الغرض بالتكليف لأن الغرض به استحقاق الثواب . وقوله { ولا يزالون مختلفين } معناه في الاديان كاليهود والنصارى والمجوس وغير ذلك من اختلاف المذاهب الباطلة في قول مجاهد وقتادة وعطا والاعمش والحسن في رواية ، وفي رواية أخرى عن الحسن أنهم يختلفون بالارزاق والاحوال ويتحيز بعضهم لبعض . والاول أقوى . والاختلاف هو اعتقاد كل واحد نقيض ما يعتقده الآخر ، وهو ما لا يمكن أن يجتمعا في الصحة وان امكن ان يجتمعا في الفساد ، ألا ترى أن اليهودية والنصرانية لا يجوز أن يكونا صحيحين مع اتفاقهما في الفساد ، ويجوز ان يكون في اختلاف اهل الملل المخالفة للاسلام حق ، لأن باعتقاد اليهودي ان النصرانية باطلة واعتقاد النصراني ان اليهودية فاسدة حق . وقوله { إلا من رحم ربك } استثناء منقطع ، ولذلك جعل رأس آية ، ولو كان متصلاً لم يجز ذلك ، وانما كان استثناء منقطعاً ، لان الاول على انهم يختلفون بالباطل ، وليس كذلك من رحم لاجتماعهم على الحق . والمعنى { ولا يزالون مختلفين } بالباطل { إلا من رحم ربك } بفعل اللطف لهم الذي يؤمنون عنده ويستحقون به الثواب ، فان من هذه صورته ناج من الاختلاف بالباطل . وقوله { ولذلك خلقهم } قيل في معناه قولان : احدهما - قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك ان المراد وللرحمة خلقهم وليس لاحد ان يقول لو أراد ذلك لقال : ولتلك خلقهم لأن الرحمة مؤنثة اللفظ وذلك ان تأنيث الرحمة ليس بتأنيث حقيقي ، وما ذلك حكمه جاز ان يعبر عنه بالتذكير ، ولذلك قال الله تعالى { إن رحمة الله قريب من المحسنين } ولم يقل قريبة على انه لا يمتنع ان يكون المراد : ولأن يرحم خلقهم ، لأن الرحمة تدل على ذلك ، فعلى هذا يكون التذكير واقعاً موقعه . الثاني - ان يكون اللام لام العاقبة ، والتقدير أنه خلقهم وعلم أن عاقبتهم . تؤل الى الاختلاف المذموم ، كما قال { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وحزناً } وكما قلنا في قوله { ولقد ذرانا لجهنم } وهو المروي عن ابن عباس والحسن وعطاء ومالك ، وقد يكون اللام بمعنى ( على ) كقولك اكرمتك على برّك بي اي لبرّك بي ، فيكون التقدير ، وعلى ذلك خلقهم ، ولا يجوز ان يكون اللام لام الغرض ، ويرجع الى الاختلاف المذموم ، لان الله تعالى لا يخلقهم ويريد منهم خلاف الحق ، لانه صفة نقص يتعالى الله عن ذلك . وايضاً فلو أراد منهم ذلك الاختلاف ، لكانوا مطيعين له ، لأن الطاعة هي موافقة الارادة والأمر ، ولو كانوا كذلك لم يستحقوا عقاباً . وقد قال تعالى { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } فبيّن تعالى انه خلقهم وأراد منهم العبادة ، فكيف يجوز مع ذلك ان يكون مريداً لخلاف ذلك ، وهل هذا الا تناقض ؟ ! يتعالى الله عن ذلك . على ان في اختلاف أهل الضلال ما يريده الله ، وهو اختلاف اليهود والنصارى في التثليث ، واختلاف النصارى لليهود في تأبيد شرع موسى . وقيل ان معنى الاختلاف ها هنا هو مضي قوم ومجيء قوم آخرين ، كما قال { هو الذي جعل الليل والنهار خلفة } وهذا الاختلاف يجوز ان يريده الله . وقال الحسن قوله { ولذلك خلقهم } مردود على قوله { وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون } والمعنى خلقهم ليكون عدله فيهم ، هذا ، لا أن يهلكهم وهم مصلحون . وقوله { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة } على الايمان ، وهذه مشيئة القدرة { ولذلك خلقهم } ان تكون مشيئته وقدرته عليهم ، { ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم } قال ليخالف اهل الحق اهل الباطل ، وهو كقوله { لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير } ويقوي هذا التأويل قوله { وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون } وقوله { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد } فيكون الله خلقهم ليخالفوا الكافرين والمبطلين . وقال عمر عن الحسن : ان معنى { ولذلك خلقهم } ليكون أمر الكفار مختلفاً بكفرهم وتكذيبهم . وقال البلخي : أخبر أنهم لا يزالون مختلفين إلا من رحم ، فانهم غير مختلفين ، هذا معنى الآية ، والا فلا معنى لها . ثم قال { ولذلك خلقهم } اي لان يكونوا أمة واحدة متفقين غير مختلفين . وقوله { وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } ، معناه التحذير لكل احد ان يكون ممن تملأ جهنم به ، وتمامها وقوع مخبرها على ما تقدم بها ، وهذا يمين أقسم الله به ، وتقديره يميناً لاملأن ، كما تقول : حلفي لاضربنك ، وبدا لي لأضربنك . وكل فعل كان تأويله كتأويل بلغني ، أو قيل لي أو انتهى اليّ ، فان ( اللام ) و ( ان ) يصلحان فيه ، فتقول بدا لي لأضربنك ، وبدا لي ان اضربك ، فلو قيل وتمت كلمة ربك أن يملأ جهنم من الجنة والناس كان صواباً .