Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 28-28)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ حمزة والكسائي وحفص { فعميت } بضم العين وتشديد الميم . الباقون بتخفيف الميم وفتح العين . وقال ابو علي : من قرأ { فعميت } بالتخفيف فلقوله { فعميت عليهم الأنباء يومئذ } وهذه مثلها . ويجوز في قوله { فعميت } أمران : احدهما - ان يكون عموا هم ، الا ترى ان الرحمة لا تعمى وانما يعمى عنها ، فيكون هذا من المقلوب ، كقولهم : أدخلت القلنسوة في رأسي ، وأدخلت الخاتم في أصبعي ونحو ذلك مما يقلب إذا زال الاشكال . والاخر - ان يكون معنى عميت خفيت كقول الشاعر : @ ومهمه أطرافه في مهمه أعمى الهدى في الحائرين العمه @@ أي خفي الهدى ألا ترى أن الهدى ليس بذي جارحة تلحقها هذه الآفة ، وقد قيل للسحاب : العمى لخفاء ما يخفيه ، كما قيل له : الغمام ومن ذلك قول زهير : @ ولكنني عن علم ما في غد عمي @@ ومن شدد اعتبر قراءة الاعمش فانه قرأها فعمّاها عليهم . وروى ذلك الفراء عن أبي ، والمعنيان متقاربان . قال الفراء : يقال عمى علي الخبر وعمي بمعنى واحد . حكى الله تعالى عن نوح ما قاله لقومه جواباً عما قالوه له مما حكيناه فانه { قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة } أي برهان وحجة من المعجزة التي تشهد بصحة النبوة . وخصهم بهذا إذ هو طريق العلم بالحق لا ما التمسوا من اختلاف الخلق . وقوله { آتاني رحمة من عنده } يرّد عليهم ما ادعوه من أنه ليس له عليهم فضل ، فبين ذلك بالهداية إلى الحق من جهة البرهان المؤدي إلى العلم . وقوله { فعميت } يحتمل امرين : احدهما - خفيت عليكم ، لأنكم لم تسلكوا الطريق المؤدي اليها . والاخر - ان يكون المعنى عميتم عنها ، واضاف العمى إلى البينة لما عموا عنها لضرب من المجاز ؛ لأن المعنى ظاهر في ذلك ، كما يقال : ادخلت الخاتم في يدي والقلنسوة في راسي ، والمراد ادخلت يدي في الخاتم ورأسي في القلنسوة . ومن قرأ بتشديد الميم وضم العين أضاف التعمية إلى غيرهم ممن صدهم عن النظر فيها واغواهم في ذلك من الشياطين والمضلين عن الحق . وقوله { أنلزمكموها وأنتم لها كارهون } أنضطركم إلى موجب البينة مع العلم مع كراهتكم لذلك فيبطل تكليفكم الاستدلال بالبينة المؤدية إلى المعرفة أي أضطركم إلى حال الضرورة . ووجه آخر - وهو أن يكون المراد إن الذي علي أن أدل بالبينة ، وليس علي أن أضطركم إلى المعرفة . وفي قوله { أنلزمكموها } ثلاث مضمرات ضمير المتكلم وضمير المخاطب وضمير الغائب ، وهو أحسن ترتيب : بدأ بالمتكلم ، لانه اخص بالفعل ثم بالمخاطب ثم بالغائب ، ولو اتى بالمنفصل لجاز لتباعده عن العامل بما فرق بينه وبينه ، فاشبه ما ضربت إلا إياك ، وما ضربني إلا انت . وأجاز الفراء { أنلزمكموها } بتسكين الميم جعله بمنزلة عضد وعضد وكبد وكبد . ولا يجوز ذلك عند البصريين ، لأن الاعراب لا يلزم فيه النقل كما يلزم في بناء الكلمة ، وإنما يجيزون مثل ذلك في ضرورة الشعر كقول امرئ القيس : @ فاليوم أشرب غير مستحقب إثماً من الله ولا واعل @@ وقال آخر : @ وناع يخبرنا بمهلك سيد تقطع من وجد عليه الانامل @@ وقال آخر :