Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 86-86)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا حكاية ما أجاب به يعقوب بنيه لما قا لوا له ما تقدم ذكره ، أي انما أشكو ، والشكوى صفة ما يجده من البلوى ، وانما وصف ( ع ) ذلك لله طلباً للفرج من جهته ، والبث تفريق الهمّ باظهاره عن القلب ، يقال : بثه ما في نفسه بثاً وأبثه إبثاثاً ، وبث الخيل على العدو : إذا فرقها عليه . وقال ابن عباس معنى ( بثي ) همي . وقوله { وأعلم من الله ما لا تعلمون } قيل في معناه قولان : احدهما - قال ابن عباس : اعلم ان رؤيا يوسف صادقة واني ساجد له . والثاني - قال قتادة : أعلم من احسان الله ( عزّ وجل ) الي ما يوجب حسن ظني به ، وانما جاز على يعقوب وهو نبي ، ان يبكي حتى تبيض عيناه من الحزن ، لان عظم المصيبة يهجم على النفس حتى لا يملك معه القرار بالصبر حتى يرتفع الحزن ، مع انه على ولد لا كالأولاد ، في جماله ، وعقله ، وعفافه ، وعلمه ، وأخلاقه ، وبره ، من غير تأس يوجب السلوة ، ولا رجاء يقرب الحال الجامعة ، ومع هذا فلم يكن منه الا ما يوجب الاجر العظيم والثواب الجزيل الكريم ، والبكاء ليس بممنوع منه في الشرع ، وانما الممنوع اللطم ، والخدش ، والجز ، وتخريق الثياب ، والقول الذي لا يسوغ ، وكل ذلك لم يكن منه ( ع ) وإنما جاز أن يخفى خبر يوسف على يعقوب مع قرب المسافة بينهما ، لأن يوسف كان بمصر ويعقوب بأرض الجزيرة من أرض حران ، ولم يعرف يوسف أباه مكانه ليزول همه ، لانه في تلك المدة كان بين شغل وحجر على ما توجبه سياسة الملك ، وبين حبس في السجن ، لانه مكث فيه سبع سنين لما محن به من امرأة العزيز ، فلما تمكن من التدبير تلطف في ذلك لئلا يكون من أخوته حال تكره في ايصال خبره الى أبيه لشدة ما ينالهم من التهجين في أمره إذا وقف على خبره . وانما جاز ان يستخرج الصواع من رحل أخيه مع ايجاب التهمة في ذلك عند الناس ، وغمّ أبيه وأخيه خاصة وسائر اخوته عامة لوجوه : احدها - انه كان ذلك بمواطأة اخيه على ذلك بما يسر في باطنه . ومنها انه ليس لاحد اتهامه بالسرقة مع امكان جعله في رحله بما لا صنع له فيه . ومنها اغمام أبيه بالأمر اليسير ليزيل عنه الغم العظيم ، وتأتيه البشرى بسلامتهما على أجمل حال يتمنى لهما ، وذلك يحسن ولا يقبح .