Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 17-17)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ اهل الكوفة إلا ابا بكر { ومما يوقدون } بالياء . الباقون بالتاء . قال أبو علي : من قرأ بالتاء فلما قبله من الخطاب ، وهو قوله { قل أفاتخذتم } ويجوز ان يكون خطاباً عاماً ، يراد به الكافة ، فكان المعنى { مما توقدون } عليه ايها الموقدون زبد مثل زبد الماء الذي عليه السيل { فأما الزبد فيذهب جفاء } لا ينتفع به كما ينتفع بما يخلص بعد الزبد من الماء والذهب والفضة والصفر . ومن قرأ بالياء ، فلان الغيبة قد تقدم في قوله { أم جعلوا لله شركاء } ويجوز ان يراد به جميع الناس ويقوي ذلك قوله { وأما ما ينفع الناس } فكما ان الناس يعم المؤمن والكافر كذلك الضمير في { يوقدون } وقال { ومما يوقدون عليه في النار } كقوله { فأوقد لي يا هامان على الطين } فهذا إيقاد على ما ليس في النار ، وان كان يلحقه وهجها ولهبها . وأما قوله { بورك من في النار } فالمعنى على من في قرب النار ، وليس يراد به متوغلها { ومن حولها } ومن لم يقرب منها قرب الآخرين ألا ترى ان قوله { وممن حولكم من الأعراب منافقون } لم يقرب المنافقون الذين حولهم فيه قرب المخالطين لهم حيث يحضرونه ويشهدونه في مشاهدهم . قال الحسن يقول الذي { أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها } الى قوله { ابتغاء حلية } الذهب والفضة والمتاع والصفر والحديد { كذلك يضرب الله الحق والباطل } كما أوقد على الذهب والفضة والصفر والحديد ، فيخلص خالصه ، { كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء ، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } قال فكذلك الحق بقي لأهله فانتفعوا به . وقرأ الحسن { بقدرها } بتخفيف الدال وهما لغتان يقال أعطى قدر شبر وفي المصدر بالتخفيف لا غير تقول : قدرت اقدر قدراً ، وفي المثل التخفيف ، والتثقيل تقول : هم يختصمون في القدر بالسكون والحركة قال الشاعر : @ الا يا لقوم للنوائب والقدر وللأمر يأتي المرء من حيث لا يدري @@ أخبر الله تعالى انه هو الذي ينزل من السماء ماء يعني الامطار والغيوث ، فتسيل هذه المياه أودية بقدرها من القلة والكثرة . والسيل جري الماء من الوادي على وجه الكثرة . يقال جاء السيل يغرق الدنيا ، وسال بهم السيل إذا جحفهم بكثرته . والوادي سفح الجبل العظيم المنخفض الذي يجتمع فيه ماء المطر ، ومنه اشتقاق الدية ، لانه جمع المال العظيم الذي يؤدى عن القتيل ، والقدر إقران الشيء بغيره من غير زيادة ولانقصان . والوزن يزيد وينقص ، فاذا كان مساوياً ، فهو القدر . وقوله { فاحتمل السيل زبداً رابياً } فالاحتمال رفع الشيء على الظهر بقوة الحامل له ، ويقال علا صوته على فلان فاحتمله ، ولم يغضبه ، فقوله هذا يحتمل وجهين : معناه له قوة يحمل بها الوجهين ، والزبد وضر الغليان ، وهو خبث الغليان ومنه زبد القدر ، وزبد السيل ، وزبد البعير . والجفاء ممدود مثل الغثاء وأصله الهمزة يقال جفا الوادي جفاء . قال الفراء : كل شيء ينضم بعضه الى بعض فأنه يجيء على ( فعال ) مثل الحطام والقماش والغشاء والجفاء ، فاذا أردت المصدر ، فهو مقصور . وقوله { رابياً } معناه زائداً ، يقال ربا يربو رباً فهو راب . ومنه الربا المحرم . وقوله { ومما توقدون عليه } اي ومن ذلك توقدون عليه زبد مثله ، والايقاد القاء الحطب في النار أوقد ايقاداً واستوقدت النار واتّقدت وتوقّدت . وقوله { ابتغاء حلية } معناه طلب حلية من الذهب والفضة أو متاع يعني الصفر والحديد ، والمتاع ما تمتعت به قال الشاعر : @ تمتع يا مشعّث إن شيئاً سبقت به الممات هو المتاع @@ { زبد مثله } يعني من الذي يوقد عليه زبد مثل زبد السيل ، ومثل الشيء ما سد مسده ، وقام مقامه ، فيما يرجع الى ذاته . وقوله { كذلك يضرب الله الحق والباطل } اي يضرب المثل للحق والباطل ، وضرب المثل تسييره في البلاد حتى يتمثل به الناس . وقوله { فأما الزبد فيذهب جفاء } اخبار منه تعالى ان الزبد الذي يعلو على الماء والنار يذهب باطلاً وهالكاً ، قال أبو عبيدة قال أبو عمرو ، وتقول العرب أجفأت القدر إِذا غلت فانصب زبدها ، وسكنت فلا يبقى منه شيء . والجفاء ممدود مثل الغثاء ، واصله الهمز . وقوله { وأما ما ينفع الناس } من الماء الصافي ، والذهب ، والفضة ، والحديد ، والصفر { فيمكث في الأرض } اي يلبث ويثبت . والمكث الكون في المكان على مرور الزمان مكث يمكث مكثاً وتمكث تمكثاً والمكث طول المقام . وقوله { كذلك يضرب الله الأمثال } اي يضرب الله مثل الحق والباطل بالماء الذي ينزل من السماء ، وبجواهر الارض ، فإن لهما جميعاً زبداً ، هذا عند سيله وجريه ، وهذا عند اذابته بالنار وهو وسخه وخبثه ، فالحق ثابت كالماء الذي يبقى في الارض ينبت به الزرع والشجر وكالجواهر التي في ايدي الناس تصبر على النار ، فلا تبطل فينتفعون بها . والباطل كزبد هذين يذهب ، لا منفعة فيه بعد ان يرى له حركة واضطراب . وفي ذلك تنبيه لمن تقدم ذكره من المشركين الذين سألوا الآيات على سبيل التكذيب والعناد .