Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 1-2)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثلاث آيات في المدنيين آخر الاولى . قوله { إلى النور } وآيتان عند الباقين . قرأ ابن عامر ونافع { الله الذي } بالرفع . الباقون بالخفض . قال ابوعلي : من قرأ بالجر جعله بدلاً من الحميد ، ولم يكن صفة ، لان الاسم وان كان في الأصل مصدراً ، والمصادر يوصف بها كما يوصف بأسماء الفاعلين ، وكذلك كان هذا الاسم في الاصل ( الألاه ) ومعناه ذو العبادة اي تجب العبادة ، قال ابو زيد : يقال تألّه الرجل إِذا نسك وأنشد لرؤبة : @ سبحن واسترجعن من تألُّهي @@ فهذا في أنه في الاصل مصدر قد وصف به مثل السلام والعدل ، الا ان هذا الاسم غلب حتى صار في الغلبة وكثرة الاستعمال كالعلم ، وقد يغلب ما في اصله الصفة فيصير بمنزلة العلم مثل قول الشاعر : @ والتيم ألأم من يمشي وألأمهم ذهل بن تيم بنو السود المدانيس @@ يجوز أن يكون جعل التيم جمع تيميّ كيهودي ويهود . وعلى هذا قال تعالى وقالت اليهود ، ألا ترى أن ( يهود ) قد جرى في كلامهم إِسماً للقبيلة ، كما أن ( مجوس ) كذلك ، فلولا أن المراد بهما الجمع ، لم يدخلهما الألف واللام ، كما لا يدخل المعارف في نحو زيد وعمرو ، إِلا انه جمع بحذف اليائين اللتين للنسب ، كما جمع شعير وشعيرة بحذف التاء ، ومثله ( رومي ) وروم و ( زنجي ) وزنج . ومن رفع قطع عن الاول ، ورفعه بالابتداء ، وجعل ( الذي ) الخبر ، او جعله صفة وأضمر الخبر . وقد بيّنا معاني الحروف المقطعة في أوائل السور في أول البقرة ، وذكرنا اختلاف المفسرين فيه ، فلا فائدة في اعادته . وقوله { كتاب أنزلناه إِليك } رفع على انه خبر الابتداء ، ومعناه هذا كتاب يعني القرآن أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم { ليخرج الناس من الظلمات إِلى النور } أي ليخرجهم من ظلمات الكفر والضلالة الى نور الايمان والهداية . والظلمة في الأصل سواد الجو المانع من الرؤية تقول أظلم إظلاماً وظلاماً وظلمة . والظلمة ذهاب الضياء بما يستره ، والنور بياض شعاعيّ تصح معه الرؤية ، ويمنع معه الظلام , ومنه النار لما فيها من النور . والنور والضياء واحد . وقال قتادة { من الظلمات إلى النور } من الضلالة الى الهدى { بإِذن ربهم } اي باطلاق الله ذلك ، وأمره به نبيه صلى الله عليه وسلم { إلى صراط العزيز الحميد } أي يخرجهم من ظلمات الكفر إِلى طريق الله المؤدي إِلى معرفة الله { العزيز } يعني القادر على الأشياء الممتنع بقدرته من أن يضام ، المحمود في أفعاله التي أنعم بها على عباده ، الذي له التصرف في جميع ما في السماوات والأرض ، على وجه ليس لأحد الاعتراض عليه . ثم اخبر تعالى أن الويل للكافرين الذين يجحدون نعم الله ولا يعترفون بوحدانيته . والاقرار بنبيه صلى الله عليه وسلم { من عذاب شديد } وهو ما تتضاعف آلامه ، والشدة تجمع يصعب معه التفكك ، شدّه يشدّه شدّاً وشدّة . وفي الآية دلالة على ان الله يريد الايمان من جميع المكلفين ، لأنه ذكر أنه أنزل كتابه ليخرج الناس من ظلمات الكفر الى نور الايمان ، لأن اللام لام الغرض ، ولا يجوز أن يكون لام العاقبة ، لانها لو كانت كذلك ، لكان الناس كلهم مؤمنين والمعلوم خلافه .