Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 125-128)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابن كثير وإِسماعيل عن نافع { ضيق } بكسر الضاد . الباقون بفتحها ، فمن فتح اراد { ضيق } فخفف مثل سيد وسيد ، وميت وميت وهين وهين . ويجوز ان يكون أراد جمع ضيقة كما قال الشاعر : @ كشف الضيقة عنا وفسح @@ ومن كسر يجوز أن يجعله لغتين ، ويجوز أن يكون الضَيق إِسماً والضِيق مصدراً والاختيار ان يقال : الضِيق في المكان والمنزل ، والضَيق في غير ذلك ، فان كان كذلك " فالاختيار ولا تك في ضَيق " لأنه تعالى لم يرد ضيق المعيشة ، ولا ضيق المنزله . وأصل { ولا تك } ولا تكن ، فاستثقلوا الضمة على الواو فنقلوها إِلى الكاف ، فالتقى ساكنان : الواو ، والنون ؛ فحذفوا الواو ؛ لالتقاء الساكنين ، ومن حذف النون أيضاً ، فلان النون ضارعت حروف المدّ واللين ، وكثر استعمال ( كان يكون ) فحذفوها كذلك ألا ترى أنك تقول : لم يكونا . والأصل يكونان فأسقطوا النون بالجزم وشبهوا لم يك في حذف النون بلم يكونا . أمر الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يدعو عباده المكلفين بالحكمة ، وهو أن يدعوهم إِلى أفعالهم الحسنة التي لها مدخل في استحقاق المدح والثواب عليها ، لأن القبائح يزجر عنها ، ولا يدعو اليها ، والمباح لا يدعو إِلى فعله ، لأنه عبث ، وإِنما يدعو إِلى ما هو واجب أو ندب ، لانه يستحق بفعله المدح والثواب ، والحكمة هي المعرفة بمراتب الافعال في الحسن والقبح والصلاح والفساد . وقيل لها : حكمة ، لانها بمنزلة المانع من الفساد ، وما لا ينبغي أن يختار ، والاصل المنع كما قال جرير : @ أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم إِني أخاف عليكم أن أغضبا @@ أي امنعوهم من السفه ، والفرق بين الحكمة والعقل : أن العاقل هو العاقد على ما يمنع من الفساد ، والحكيم هو العارف بما يمنع من الفساد ، والحكمة مشتركة بين المعرفة وبين العقل المستقيم ، لان كل واحد منهما ممتنع من الفساد عارٍ منه . والقديم تعالى لم يزل حكيماً بمعني لم يزل عالماً ، ولا يجوز لم يزل حكيما فيما يستحق لاجل الفعل المستقيم ، وكل حكمة يكون بتركها مضيعاً لحق النعمة يجب على المكلف طلبها . معرفة كانت أو فعلا . والموعظة الحسنة . معناه الوعظ الحسن وهو الصرف عن القبيح على وجه الترغيب في تركه والتزهيد في فعله . وفي ذلك تليين القلوب بما يوجب الخشوع . وقيل : ان الحكمة النبوة . والموعظة القرآن { وجادلهم بالتي هي أحسن } فالجدال فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج { بالتي هي أحسن } وفيه الرفق والوقار والسكينة مع نصرة الحق بالحجة . ثم أخبر { إن ربك } يا محمد { أعلم بمن ضل عن سبيله } بأن عدل عنها و { أعلم } من غيره بمن اهتدى اليها وليس عليك غير الدعاء . وقوله { وإن عاقبتم فعاقبوا } قيل : في سبب نزول هذه الآية قولان : احدهما - ان المشركين لما مثَّلوا بقتلى أُحُد . قال المسلمون : متى اظهرنا الله عليهم لنمثلن بهم اعظم مما مثلوا بنا . ذكره الشعبي وقتادة وعطاء . الثاني - قال مجاهد وابن سيرين وابراهيم : انه في كل ظالم بغصب او نحوه . فإِنما يجازى بمثل ما عمل . وقيل : إِن هذه الآية منسوخة بآية القتال ، لان هذا قبل ان يؤمروا بالجهاد ثم قال { ولئن صبرتم } اي إِن تركتم المجازاة والقصاص وتجرعتم مرارته { لهو خير للصابرين } في العاقبة . ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته معه { واصبر } يا محمد وليس صبرك { إِلا بالله } اي إِلا بتوفيق الله وإِقداره وترغيبه فيه { ولا تحزن عليهم } يعني على المشركين ، لإِعراضهم عنك . وقيل المراد لا تحزن على قتلى أُحُد لما اعطاهم الله من الخير { ولا تك في ضيق مما يمكرون } اي لا يكن صدرك ضيقا مما يمكر به المشرك من الخديعة وغيرها ، وما فعلوا بقتلى أُحُد من المثلى { إِن الله مع الذين اتقوا } معاصيه خوفاً من عقابه ، بالنصر لهم والتأييد ، ومع { الذين هم محسنون } في افعالهم ، غير فاعلين للقبائح يقذف في قلوب اعدائهم الرعب ، خوفاً من رسول الله وسراياه