Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 48-50)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ حمزة والكسائي وخلف { أولم تروا } بالتاء ، الباقون بالياء . من قرأ بالتاء حمله على الجمع . ومن قرأ بالياء ، فعلى ما قبله ، من قوله { أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم … أو يأخذهم } , وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رأوا ذلك وتيقنوه ، فلذلك عدل عن الخطاب . وقرأ ابو عمرو ويعقوب { تتفيؤا ظلاله } بالتاء . الباقون بالياء ، فمن أنث فلتأنيث الظلال ، لانه جمع ظل ، فكل جميع مخالف الآدميين ، فهو مؤنث تقول : هذه الاقطار وهذه المساجد . ومن ذكَّر ، فلأن الظلال وإِن كان جمعاً ، فهو على لفظ الواحد مثل ( جدار ) ، لان جمع التكسير يوافق الواحد . يقول الله تعالى لهؤلاء الكفار الذين جحدوا وحدانيته ، وكذبوا نبيه ، على وجه التنبيه لهم على توحيده { أولم يروا } هؤلاء الكفار { إلى ما خلق الله } من جسم قائم ، شجر او جبل او غيره ، فصير ظلاله فيئاً اي تدور عليه الشمس ثم يرجع الى ما كان قبل زوال الشمس عنه . وقال ابن عباس ( يتفيئو ) يرجع من موضع الى موضع ويتميل ، يقال منه : فاء الظل يفيء فيئاً إِذا رجع ، وتفيَّأ يتفيَّؤ تفيؤاً بمعنى واحد . وقوله { عن اليمين والشمائل } معناه في اول النهار وآخره - في قول قتادة والضحاك وابن جريج - يتقلص الفيء عن الجبل من جهة اليمين وينقص بالعشي من جهة الشمال . وإِنما قال عن اليمين - على التوحيد - والشمائل - على الجمع - لأحد أمرين : احدهما - انه اراد باليمين الأيمان ، فهو متقابل في المعنى ، ويتصرف في اللفظ على الايجاز ، كما قال الشاعر : @ بفيّ الشامتين الصخر ان كان هدّني زرية شبلي مخدر في الضراغم @@ والمعنى بأفواه ، وقال آخر : @ الواردون وتيم في ذرى سبإِ قد عضّ اعناقهم جلد الجواميس @@ وقوله { سجداً لله وهم داخرون } معناه إِنها خاضعة لله ذليلة ، بما فيها من الدلالة على الحاجة الى واضعها ومدبرها ، بما لولاه لبطلت ، ولم يكن لها قوام طرفة عين ، فهي في ذلك كالساجد ، من العباد بفعله ، الخاضع بذاته ، كأنه من بسط الشمس عليه في أول النهار . ثم قبضها عنه الى الجهة الأخرى . ثم قبضها ايضاً عنه ، فتغيرت حاله . والتغيير يقتضي مغيراً غيَّره ومدبّراً دبّره . قال الحسن : اما ذلك فيسجد لله ، واما انت فلا تسجد لله ؟ ! بئس والله ما صنعت . و ( الداخر ) الخاضع الصاغر ، دخر يدخر دخراً ودخوراً ، إذا ذل وخضع قال ذو الرمة : @ فلم يبق إِلا داخر في مخيَّس ومنجحر في غير أرضك في جحر @@ ثم أخبر تعالى انه يسجد له جميع { ما في السماوات وما في الأرض } والسجود هو الخضوع بالعبادة او الدعاء إِلى العبادة ، فكل شيء من مقدوراته تعالى يسجد بالدعاء إِلى العباده بما فيه من الآية ، الذي يقتضي الحاجة اليه تعالى ، وكل محقٍّ من العباد فهو يسجد بالعبادة . وقوله { من دابّة } معنى ( من ) ها هنا هي التي تبيّن ، تبيين الصفة ، كأنه قال وما في الارض الذي هوَ دابّة تدبّ على الارض . وقوله { والملائكة } اي وتسجد له الملائكة ، وتخضع له بالعبادة ، و { هم } يعني الملائكة ، غير مستكبرين ، ولا طالبين بذلك التكبر بل مذعنين بالحق متذللين ، غير آنفين ، من الاذعان به . { يخافون ربهم من فوقهم ، ويفعلون ما يؤمرون } قيل في معناه قولان : احدهما - يخافون عقاب ربهم من فوقهم ، لانه يأتي من فوق . الثاني - انه لمَّا وصف بأنه عالٍ ومتعالٍ ، على معنى قادر ، لا قادر أقدر منه ، فقيل صفته في أعلى مراتب صفات القادرين ، حسن ان يقال { من فوقهم } ليدل على ان هذا المعنى من الاقتدار الذي لا يساويه قادر ، وقوله { ويفعلون ما يؤمرون } يعني الملائكة يفعلون ما يأمرهم الله به ، ولا يعصونه ، كما قال { لا يعصون الله ما أمرَهم ويفعلون ما يؤمرون }