Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 90-91)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الله تعالى مخبراً عن نفسه { إن الله يأمر بالعدل } يعنى الانصاف بين الخلق ، وفعل ما يجب على المكلف و { الإحسان } الى الغير ، ومعناه يأمركم بالاحسان ، فالأمر بالاول على وجه الإيجاب ، وبالاحسان على وجه الندب . وفي ذلك دلالة على ان الامر يكون أمراً بالندوب اليه دون الواجب ، { وإِيتاء ذي القربى } اي وأمرك باعطاء ذي القربي ، ويحتمل امرين : احدهما - صلة الارحام ، فيكون ذلك عاماً في جميع الخلق . والثاني - ان يكون أمراً بصلة قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وهم الذين أرادهم الله بقوله { فإِن لله خمسه وللرسول ولذي القربى } على ما بيناه فيما قبل وقوله { وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي } انما جمع بين الاوصاف الثلاثة في النهي عنها مع ان الكل منكر فاحش ، ليبين بذلك تفصيل ما نهى عنه ، لان الفحشاء قد يكون ما يفعله الانسان في نفسه مما لا يظهر أمره ويعظم قبحه . والمنكر ما يظر للناس مما يجب عليهم إِنكاره ، والبغي ما يتطاول به من الظلم لغيره ، ولا يكون البغي إِلا من الفاعل لغيره ، والظلم قد يكون ظلم الفاعل لنفسه . وروي عن ابي عيينة ، أنه قال : العدل هو استواء السريرة والعلانية ، والاحسان ان تكون سريرته أحسن من علانيته ، والفحشاء والمنكر ان يكون علانيته أحسن من سريرته . ثم بين تعالى أنه يعظ بما ذكره خلقه ، لكي يذكروا ويتفكروا ، ويرجعوا الى الحق . ثم أمر تعالى خلقه بأن يفوا بعهده اذا عاهدوا عليه ، والعهد الذي يجب الوفاء به : هو كل فعل حسن اذا عقد عليه ، وعاهد الله ليفعلنه بالعزم عليه ، فانه يصير واجباً عليه ، ولا يجوز له خلافه ، ثم يكون عظم النقض بحسب الضرر به ، فأما اذا رأى غيره خيراً منه فليأت الذي هو خير وليكفّر ، عند الفقهاء . وقال اصحابنا : اذا وجد خيراً منه فعل الخير ، ولا كفارة عليه ، وهذا يجوز فيما كان ينبغي ان يشرط ، فأما اذا أطلقه وهو لا يأمن ان يكون غيره خير منه فقد أساء باطلاق العقد عليه . ثم قال { ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } نهي منه تعالى عن حنث الأيمان بعد عقدها وتأكيدها ، يقال أكدته تأكيداً ووكدته توكيداً ، والأصل الواو . وانما أبدلت الهمزة منها كما قالوا : وقيت في أوقيت . وفي الآية دلالة على ان اليمين على المعصية غير منعقدة ، لانها لو كانت منعقدة لما جاز نقضها ، وأجمعوا على أنه يجب نقضها ، ولا يجوز الوفاء بها ، فعلم بذلك ان اليمين على المعصية غير منعقدة . والنقض في المعاني يمكن في ما لا يجوز ان يصح مع خلافه ، بل إِن كان حقّاً فخلافه باطل ، وإِن كان باطلاً فخلافه حق ، نحو إِرادة الشيء وكراهته ، والأمر بالشيء والنهي عنه والتوبة من الشيء والعود فيه وما أشبه ذلك . وقوله { وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً } اي حسيباً فيما عاهدتموه عليه { إِن الله يعلم ما تفعلون } من نقض العهد والوفاء به ، وذلك تهديد ووعيد بأن يجازي على ما يكون منكم على الطاعة بالثواب وعلى المعصية بالعقاب . وقيل : إِن الآية نزلت في الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الاسلام . وقال بعضهم نزلت في الحلف الذي كان عليه أهل الشرك ، فأمروا في الاسلام بالوفاء به ذكره ابن زيد .