Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 92-93)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا نهي من الله تعالى للمكلفين ان يكونوا { كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً } فواحد الانكاث نكث ، وكل شيء نقض بعد الفتل فهو أنكاث : حبلاً كان او غزلاً ، يقال منه : نكث فلان الحبل ينكثه نكثاً ، والحبل منتكث اذا انتقضت قواه . و ( الدخل ) ما أدخل في الشيء على فساد ، والمعنى تدخلون الايمان على فساد للغرور ، وفي نيتكم الغدر بمن حلفتم له ، لأنكم أكثر عدداً منهم أو ، لان غيركم اكثر عدداً منكم وقيل الدخل الدغل والخديعة ، وإِنما قيل الدخل ، لأنه داخل القلب على ترك الوفاء والظاهر على الوفاء . وقيل { دخلاً } غلاّ وغشّاً ، ويقال : انا اعلم دخل فلان ودخله ودخلته ودخيلته ، والمعنى لا تنقضوا الايمان لكثرتكم ، وقلة من حلفتم له او لقلتكم وكثرتهم ، فاذا وجدتم اكثر منهم نقضتم بل احفظوا عهدكم . و { دخلاً } منصوب بأنه مفعول له . وقوله { أن تكون أمّة هي أربى من أمَّة } اي اكثر عدداً لطلب العز بهم مع الغدر بالأقل ، وهو ( أفعل ) من الربا ، قال الشاعر : @ واسمر خطيّ كأن كعوبه نوى العسيب قد اربا ذراعاً على عشر @@ ومنه أربا فلان للزيادة التي يزيدها على غريمه في رأس ماله ( واربى ) في موضع رفع . واجاز الفراء ان تكون في موضع نصب ، وتكون هي عماداً . وقال الزجاج : لا يجوز ذلك ، لان العماد لا يكون بين نكرتين ، لان { أمَّة } نكرة ، ويفارق قوله { تجدوه عند الله هو خيراً } لأن الهاء في تجدوه معرفة . وقوله { إنما يبلوكم الله به } معناه إِنما يختبركم الله بالامر بالوفاء ، فالهاء في ( به ) عائدة على الأمر ، وتحقيقه يعاملكم معاملة المختبر ليقع الجزاء بالعمل { وليبين لكم } أي ويفصل لكم ويظهر لكم { ما كنتم تختلفون } في صحته يوم القيامة . والتى نقضت غزلها من بعد إِبرام قيل : إِنها ريطة بنت عمرو بن كعب ابن سعيد بن تميم بن مرة ، وكانت حمقاء ، فضربه الله مثلاً ، فقال { أوفوا بعهد الله إِذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } فتكونوا إِن فعلتم ذلك كإِمرأة غزلت غزلاً ، وقوت قوته وأبرمت ، فلما استحكم نقضته ، فجعلته أنكاثاً أي انقاضاً ، وهو ما ينقض من اخلاق بيوت الشعر والوبر ليعزل ثانية ، ويعاد مع الجديد ، ومنه قيل : لم بايع طائعاً ثم خرج عليك ناكثاً ؟ لأنه نقض ما وكّده على نفسه بالايمان والعهود كفعل الناكثة غزلها . ومعنى { أن تكون } لأن تكون { أمة } أعزّ من أُمّة ، وقوم أعلى من قوم ، يريد لا تقطعوا بأيمانكم حقوقاً لهؤلاء ، فتجعلوها لهؤلاء . وقال مجاهد : كانوا يحالفون الحلفاء ، فإِذا وجدوا أكثر منهم نقضوا حلف هؤلاء ، وحالفوا اولئك الذين هم أَعزّ ، فنهاهم الله عن ذلك . وقوله { ولو شاء الله لجعلكم أمّة واحدة } اخبار منه تعالى عن أن العباد إِذا خالفوا أمره لم يعاجزوه ، ولم يغالبوه تعالى عن ذلك ، لأنه لو يشاء لأكرههم على أن يكونوا أمة واحدة ، لكنه يشاء أن يجتمعوا على الايمان ، على وجه يستحقون به الثواب . ومثله قوله { ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض } كذلك قال سبحانه - ها هنا - ولكن ليمتحنكم ويختبركم لتستحقوا النعيم الذي أراده لكم ، فيضل قوم ، ويستحقوا الاضلال عن طريق الجنة ، والحكم عليهم بأنهم ضالون . ويهتدي آخرون ، فيستحقوا الهدى يعني الحكم لهم بالهداية ، وإِرشادهم إِلى طريق الجنة . ثم قال { ولتسألن } يا معشر المكلفين { عما كنتم تعملون } في الدنيا من الطاعات والمعاصي ، فتجازون عليه بقدره .