Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 13-15)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأَ أَبو جعفر { ويخرج } بضم الياء ، وفتح الراء ، وقرأ يعقوب بالياء وفتحها وضم الراء . الباقون بالنون ، وضمها ، وكسر الراء . واتفقوا على نصب { كتاباً } وقرأَ ابن عامر وأَبو جعفر { يلقاه } بضم الياء ، وفتح اللام وتشديد القاف . الباقون بفتح الياء وسكون اللام وفتح القاف وتخفيفها ، ونصب كل انسان بفعل يفسره { أَلزمناه } وتقديره أَلزمنا كل انسان أَلزمناه ، كما قال { والقمر قدرناه } فيمن نصب . ومعنى طائره قال ابن عباس ، ومجاهد وقتادة : عمله من خير أَو شر كالطائر الذي يجيء من ذات اليمين ، فيتبرك به ، والطائر الذي يجيء من ذات الشمال فيتشاءم به ، وطائره عمله . والزام الله طائره في عنقه : الحكم عليه بما يستحقه من ثواب أو عقاب . وقيل : معناه ان يحكم بأن عمله كالطوق في عنقه . ثم اخبر تعالى أنه يخرج للانسان المكلف يوم القيامة كتاباً فيه جميع أفعاله مثبتة ما يستحق عليه ثواب او عقاب . وقوله { يلقاه } قرأ ابن عامر بضم الياء وفتح اللام ، وتشديد القاف ، بمعنى ان الملائكة يستقبلونهم . الباقون بفتح الياء والقاف ، بمعنى أنهم يلقونه ويرونه . فمن قرأ بالتخفيف ، فمن لقيت الكتاب ، فاذ ضاعفت قلت لقّانيه ، وقد يتعدى بتضعيف العين الى مفعولين بعد ان كان متعدياً الى مفعول واحد ، فاذا بني للمفعول به نقص مفعول واحد من المفعولين ، لأن أحدهما يقول مقام الفاعل ، لاسناد الفعل اليه ، فيبقى متعدياً الى مفعول واحد ، وعلى هذا قوله { ويلقَّون فيها تحية وسلاماً } وفي البناء للفاعل { ولقَّاهم نضرة وسروراً } وحكي عن الحسن ومجاهد أنهما قرءا { ويخرج } بفتح الياء وضم الراء ، والمعنى يخرج طائره له " كتاباً " نصب على التمييز ، وقيل في ( طائره ) أنه عمله . وقيل : أنه حظه ، وما قدّمه من خير او شرّ قال المؤرج : الطائر العمل ، بلغة الانصار ، ويكون المعنى على هذا ويخرج عمله له كتاباً أي ذا كتاب ، ومعناه أنه مثبت في الكتاب الذي قال فيه { لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } وقال { هآؤم اقرؤا كتابيه } وانما قيل لعمله طائره - وطيره في بعض القراءات - على تعارف العرب ، يقولون : جرى طائره بكذا ، ومثله قوله { قالوا طائركم معكم } وقوله { إنما طائرهم عند الله } وقال ابو زيد : ما مر من طائر أو ظبي أو غيره ، كل ذلك عندهم طائر ، قال ابو زيد : قولهم : سألت الطير ، وقلت للطير ، انما هو زجر ، وقولهم زجرني الظباء والطير معناه وقع زجري عليهما ، على كذا وكذا ، من خير أو شرّ ، ومنه قول الكميت : @ ولا أنا ممن يزجر الطير همّه أصاح عزاب أو تعرّض ثعلب @@ وقال حسان : @ ذرينى وعلمي بالامور وشيمتي فما طائري فيها عليك بأخيلا @@ اي ليس رأيي بمشوم ، وقال كثير : @ أقول إِذا ما الطير مرّت مخيلة لعلك يوماً فانتظر ان تنالها @@ معنى مخيلة مكروهة من الاخيل ، ومعنى { في عنقه } لزوم ذلك له وتعلقه به ، ومثله قولهم : طوقتك كذا ، وقلدتك كذا اي الزمته إِياك ومثله ، قلده السلطان كذا ، اي صارت الولاية في لزومها له في موضع القلادة ، وإِنما خصّ إِلزام الطائر بالعنق ، لأنه إِضافة ما يزين من طوق ، او ما يشين من عمل يضاف الى الاعناق ، ولأن في عرف الناس ان يقولوا : هذا في رقبتك . وقد يضاف العمل الى اليد ايضاً كما قال { ذلك بما قدمت أيديكم } وإِن كان كسبه بفرجه ولسانه ، وغير ذلك ، وإِنما يذم بذلك على وجه التقريع والتبكيت بما فعله من المعاصي ، ويكون في العلم بذلك لطف في دار الدنيا ، وان كان الله عالماً بتفصيل ما فعلوه . وقوله { كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً } اي حسبك نفسك اليوم حاكماً عليك في عملك وما تستحقه من ثواب على الطاعة ومن عقاب على المعصية ، لانه أنصفك من جعلك حسيباً على نفسك بعملك . وقيل معنى { حسيباً } شاهداً وشهيداً . وقوله { من اهتدى } يعني فعل الخيرات والطاعات وانتفع بهداية الله إِياه { فإِنما يهتدي لنفسه } وأن ثواب ذلك واصل اليه { ومن ضلّ } اي جار عن الحق وعدل عن الصواب وارتكب المعاصي { فإِنما يضل عليها } اي يجور عليها لأن عقاب ذلك ووباله واصل اليه ، لأن الله تعالى قال { لا تزر وازرة وزر أُخرى } اي لا يأخذ احداً بذنب غيره ، والوزر الإِثم ، وقيل معناه لا يجوز لأحد أن يعمل الإثم ، لأن غيره عمله ، والأول أقوى . وقوله { وما كنا معذِّبين حتى نبعث رسولاً } اخبار من الله أَنه لا يعاقب احداً على معاصيه ، حتى يستظهر عليه بالحجج وانفاذ الرسل ينبهونه على الحق ، ويهدونه اليه ويرشدونه الى سلوكه ، استظهاراً في الحجة ، لانه اذا اجتمع داعي العقل وداعي السمع الى الحق ، تأكد الامر وزال الريب فيما يلزم العبد ، وليس في ذلك دلالة على انه لو لم يبعث رسولاً لم يحسن منه ان يعاقب اذا ارتكب العبد القبائح العقلية ، اللهم إلاَّ أَن يفرض أَن في بعثه الرسول لطفاً ، فإِنه لا يحسن من الله تعالى مع ذلك أَن يعاقب احداً إِلاَّ بعد أن يعرّفه ما هو لطف له ومصلحة لتزاح علته . وقيل : معناه { وما كنا معذِّبين } بعذاب الاستئصال والاهلاك في الدنيا { حتى نبعث رسولاً } . وفي الآية دلالة على بطلان قول المجبرة : من ان الله يعذب اطفال الكفار بكفر آبائهم ، لانه بين أَنه لا يأخذ احداً بجرم غيره .