Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 16-16)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ يعقوب { آمرنا } بمد الهمزة . وعن الحسن { أمّرنا } بالتشديد ، وروي عنه { أمِرنا } بكسر الميم خفيفة وهي ردية . ذكر في هذه الآية وجوه أربعة : أحدها - ان مجرد الاهلاك لا يدل على أنه حسن أو قبيح ، بل يمكن وقوعه على كل واحد من الأمرين ، فإِذا كان واقعاً على وجه الظلم ، كما قبيحاً ، وإِذا كان واقعاً على وجه الاستحقاق أو على وجه الامتحان ، كان حسناً ، فتعلق الارادة به لا يقتضى تعلقها على الوجه القبيح . وإِذا علمنا أن القديم لا يفعل القبيح ، علمنا أن إِرادته الاهلاك على الوجه الحسن . وقوله { أمرنا مترفيها } المأمور به محذوف ، وليس يجب أن يكون المأمور به هو الفسق وان وقع بعده الفسق ، بل لا يمتنع أن يكون التقدير : وإِذا أردنا أن نهلك قرية أمرناهم بالطاعة ، ففسقوا فيها فحق عليها القول ، وجرى ذلك مجرى قولهم : أمرته فعصى ودعوته فأبى ، والمراد أمرته بالطاعة ودعوته إِلى الاجابة والقبول ، فعصى . فإن قيل : أيّ معنى لتقدم الارادة ؟ فإِن كانت متعلقة بإِهلاك يستحق بغير الفسق المذكور في الآية ، فلا معنى لقوله { إِذا أردنا … أمرنا } ، لأن أمره بما يأمر به لا يحسن إِرادته للعقاب المستحق بما تقدم من الأفعال ، وإِن كانت الارادة متعلقة بالاهلاك المستحق بمخالفة الأمر المذكور في الآية ، فهو الذي تأبونه ، لأنه يقتضي أنه تعالى مريد لإهلاك من لم يستحق العقاب ! ! . قلنا : لم تتعلق الارادة إِلا بالإِهلاك المستحق بما تقدم من الذنوب ، وإِنما حسن قوله { إِذا أردنا … أمرنا } أن في تكرار الأمر بالطاعة بالايمان إِعذاراً للعصاة وإِنذاراً لهم وإِيجاباً للحجة عليهم ، ويقوي ذلك قوله قبل هذه الآية { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً } منبهاً بذلك أنه أراد إِثبات الحجة وتكررها عليهم الثاني - أن يكون قوله { أمرنا مترفيها } من صفة القرية وصلتها ، ولا يكون جواباً لقوله { وإِذا أردنا } ويكون تقدير الكلام : وإِذا أردنا أن نهلك قرية من صفتها أنا { أمرنا مترفيها ففسقوا فيها } ولا يكون لـ ( إِذا ) جواب ظاهر في اللفظ ، للاستغناء عنه بما في الكلام من الدلالة عليه ، ومثله قوله { حتى إِذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم } إِلى قوله { فنعم أجر العاملين } ولم يأت لـ ( إذا ) جواب في طول الكلام للاستغناء عنه ، وقال الهذلي : @ حتى إِذا أسلكوهم في قتائدة شلاً كما يطرد الجمالة الشردا @@ فحذف جواب ( إِذا ) ولم يأت به ، لأن هذا البيت آخر القصيدة . الثالث - أن يكون الكلام على التقديم والتأخير ، وتقديره إِذا أمرنا مترفي قرية بالطاعة ، فعصوا ، واستحقوا العقاب ، أردنا إِهلاكهم ، ويشهد بهذا التأويل قوله { يا أيها الذين آمنوا إِذا قمتم إِلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } فالطهارة انما تجب قبل القيام الى الصلاة . ومثله قوله { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك } وقيام الطائفة معه يجب أن يكون قبل إِقامة الصلاة لأن إِقامتها هو الاتيان بجميعها على الكمال . ومثله قوله { ما إِنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوّة } والتقدير ما إِنّ مفاتحه لتنوء بها العصبة أي يثقلون بها ، ومثله قول الشاعر : @ ذعرت القطا ونفيت عنه مقام الذئب كالرجل اللعين @@ أراد مقام الذئب اللعين ، وقد فصلوا بين المضاف والمضاف اليه قال الشاعر : @ بين ذراعي وجبهة الأسد @@ اراد بين ذراعي الأسد وجبهته . والرابع - أن يكون ذكر الارادة في الآية مجازاً واتساعاً وتنبيهاً على المعلوم من حال القوم وعاقبة أمرهم ، وأنهم متى أمروا فسقوا وخالفوا ، وجرى ذلك مجرى قولهم : إِذا أراد التاجر أن يفتقر أتته النوائب من كل وجه ، وجاء الخسران من كل طريق ، وإِذا اراد العليل ان يموت خلط في مأكله ، ومعلوم أن احداً ممن ذكرناه لم يرد ذلك ؛ لكن لما كان المعلوم من حال هذا الخسران ، ومن حال ذاك الهلاك ، حسن هذا الكلام ، وكان أفصح وأبلغ ، لما فيه من الاستعارة والمجاز الذي لا يكون الكلام بليغاً من دونهما . ويكون تلخيص الكلام : إِذا اردنا اهلاك قرية كقوله { جداراً يريد أن ينقض } أمرناهم بالطاعة ، ففسقوا فيها ، فحق عليها القول . وانما خصّ المترفون بذكر الأمر ، لأنهم الرؤوساء الذين من عداهم تبع لهم ، كما أمر فرعون ومن عداه تبع له من القبط . ومن حمله على ان المراد به أكثرْنا قال : لأن الأمر بالطاعة ليس بمقصور على المترفين ، بل هو عام لجميعهم ، فلذلك شدّد الميم أو مدّ الهمزة . وانما قال { ففسقوا فيها } ولم يقل : فكفروا ، لأن المراد فتمردوا في كفرهم لأن الفسوق في الكفر الخروج إِلى افحشه ، فكأنه قال ففسقوا بالخروج عن الأمر الى الكفر . وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : المعنى أمرناهم بالطاعة ، ففسقوا ، ومثله امرتك فعصيتني . ومن قرأ { أمّرنا مترفيها } بتشديد الميم من التأمير بمعنى التسليط ، وقد يكون بمعنى أكثرنا . ويجوز ان يكون المعنى أكثرْنا عددهم أو مالهم ، وقرىء { آمرنا } ممدوداً ، والمعنى اكثرْنا مترفيها ، وإِنما قيل في الكثرة آمر القوم ، لأنهم يحتاجون إِلى أمير يأمرهم وينهاهم ، فقد آمروا لذلك ، قال لبيد : @ ان يغبطوا يهبطوا وان آمروا يوماً يصيروا للهلاك والفند @@ وروى والكند وقال بعضهم أمرنا بمعنى اكثرنا ، وقال ابو عمرو : ولا يكون من هذا المعنى { أمرنا } قال ابو عبيد : يدل على هذه اللغة قولهم : سكة مأبورة ومهرة مأمورة ، أي كثيرة الولد . ومن قال بالأول قال هذا لمكان الازدواج ، كما قالوا الغدايا والعشايا ، والغداء لا يجمع على غدايا ، ولكن قيل ذلك ليزدوج الكلام مع قولهم : العشايا ، وقال قوم : يقال أمرالشيء وأمّرته اي كثر وكثرّته لغتان ، مثل رجع ورجعته . والمشهور الاول . وإِنما تعدى اما بالتضعيف او الهمزة ، وإِذا كان مخففاً فهو من الأمر الذي هو خلاف النهي ، على ما بيناه . وقال المبرد : { أَمرنا } خفيفة بمعنى اكثرنا ، وروى الجرمي : فعلت وأفعلت - عن ابي زيد - بمعنى واحد ، قال وقرأته على الاصمعي . و " دمرنا " معناه أهلكنا ، والدمار الهلاك .