Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 1-3)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابو عمرو وحده { ألاّ يتخذوا } بالياء . الباقون بالتاء ، والمعنى فيهما قريب ، والتقدير ، { وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألاّ تتخذوا } وقلنا لهم : لا تتخذوا ، كما تقول : قلت لزيد قم ، وقلت له ان يقوم . وقال تعالى { قل للذين كفروا ستغلبون } بالتاء والياء . ومعنى { من دوني وكيلاً } أي كافياً وربا ، ونصب { ذرّية } على النداء ، وهو خطاب لجميع الخلق ، لأن الخلق كله من نسل نوح من بنيه الثلاثة : حام : وهو ابو السودان ، ويافث : وهو أبو البيضان : الروم والترك والصقالبة وغيرهم ، وسام : وهو ابو العرب والفرس . وتقديره يا ذرّية من حملنا ، ووزن " ذرية " فعلية ، من الذر ، ويجوز ان يكون ( فعولة ) من الذر واصله ( ذروية ) فقلبت الواو ياء وادغمت في الياء ، قال أبو علي النحوي : ويجوز ان يكون نصبا على أنه مفعول الاتخاذ لأنه فعل يتعدى إِلى مفعولين كقوله { واتخذ الله إبراهيم خليلاً } وقال { اتخذوا أيمانهم جنة } وعلى هذا يكون مفعولا ثانياً على القراءتين ، ومتى نصبته على النداء ، فانما يتأتى ذلك في قراءة من قرأ بالتاء ، والاسهل أن يكون على قراءة من قرأ بالياء ، لأن الياء للغيبة ، والنداء للخطاب ، و ( أن ) في قوله { ألا تتخذوا } يحتمل ثلاثة أوجه : احدها أن تكون ( أن ) الناصبة للفعل ، والمعنى جعلناه هدى ، كراهة أن تتخذوا ، أو لان لا تتخذوا . والثاني - أن تكون ( أن ) بمعنى أي ، لانه بعد كلام تام والتقدير أي لا تتخذوا . والثالث - أن تكون ( أن ) زائدة ، ويضمر القول . والوكيل لفظه واحد ، والمراد به الجمع ، لأن معناه حينئذ ( فعيلا ) فيكون مفرد اللفظ والمراد به الجمع ، نحو قوله { وحسن أولئك رفيقاً } قال أبو عبيد : أهل المدينة يقولون في نصب { سبحان } أنه اسم في موضع مصدر سبحت الله تسبيحاً ، والتسبيح هو المصدر ، وسبحان اسم منه ، كقولك كفّرت اليمين تكفيراً ، أو كفراناً ، والتكفير المصدر ، والكفران الاسم ، قال أمية ابن أبي الصلت : @ سبحانه ثم سبحاناً يعود له وقبلنا سبح الجودي والجمد @@ وقال بعضهم انه يجوز أن يكون نصباً على النداء ، يريد : يا سبحان ومعناه : التنزيه لله والتبعيد له من كل ما لا يليق به ، والتسبيح يكون بمعنى الصلاة ، كقوله { فلولا أنه كان من المسبحين } أي من المصلين - ذكره اكثر المفسرين - ومنه السبحة وهي النافلة . وروي أنه كان ابن عمر يصلي سبحته في موضعه الذي يصلي فيه المكتوبة ويكون بمعنى الاستثناء ، كقوله { فلولا تسبحون } أي فلولا تستثنون ، وهي لغة لبعض أهل اليمن ، ولا وجه للكلام غيره ، لأنه قال { إِنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة } الى قوله { ولا يستثنون } ثم { قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون } فذكّرهم تركهم الاستثناء فأما سبحة النور التي دون الله ، قال المبرد : لا يعرف إِلا من الخبر الذي روي ( لولا ذلك لاحرقت سبحات وجهه ) بمعنى نور وجهه أي الذي إِذا رأى الرائي قال سبحان الله . وقال سيبويه { سبحان } براءة الله من السوء وهذا اسم لهذا المعنى معرفة وقال الاعشى : @ أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر @@ اي براءة منه ولا ينزه بلفظ سبحان غير الله ، وانما ذكره الشاعر نادراً على الاصل واجراه كالمثل في قوله { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } معناه ليس شيء إِلاَّ وفيه دلالة على تنزيه الله مما لا يليق به ، وقولهم : سبح تسبيحاً أي قال سبحان الله ، والسبح في التعظيم الجري فيه . والاسراء سير الليل ، اسرى اسراء وسرى يسرى سرى لغتان ، قال الشاعر : @ وليلة ذات دجى سريت ولم يلتني عن سراها ليت @@ وقوله { ليلاً } معناه بعض الليل ، على تقليل وقت الاسراء ، ويقوي ذلك قراءة حذيفة ، وعبد الله { من الليل } وروت أم هاني بنت ابي طالب : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في منزلها ليلة أسري به . وقال الحسن وقتادة : كان في نفس المسجد الحرام . وروي عن أم هاني أن الحرم كله مسجد . والمسجد الاقصى هو بيت المقدس ، وهو مسجد سليمان بن داود - في قول الحسن وغيره من المفسرين - وانما قيل له : الأقصى ، لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام . وقال الحسن : صلى النبي صلى الله عليه وسلم المغرب في المسجد الحرام . ثم أسري به الى بيت المقدس في ليلة ثم رجع ، فصلى الصبح في المسجد الحرام ، فلما اخبر به المشركين كذبوا ذلك ، وقالوا : يسير مسيرة شهر في ليلة واحدة ؟ ! وجعلوا يسألون عن بيت المقدس وما رأى في طريقه ، فوصفه لهم شيئاً شيئاً بما يعرفونه . ثم اخبرهم انه رأى في طريقه قعباً مغطاً مملوءاً ماء فشرب الماء كله ثم غلطاه كما كان ، ووصف لهم صفة إِبل كانت لهم في طريق الشام تحمل المتاع ، فقال تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق ، فقعدوا في ذلك اليوم يستقبلونها ، فقال قائل منهم : هذه والله الشمس قد أشرقت ، ولم تأت . وقال آخر هذا والله العير يقدمها جمل اورق ، كما ذكر محمد ، فكان ذلك معجزة له باهرة ، ودلالة واضحة لولا العناد ، وكان نفس الاسراء حجة له صلى الله عليه وسلم لا انه يحتاج إِلى دلالة كغيره ، ولذلك قال تعالى { لنريه من آياتنا } فكان الاسراء من جملة الآيات التي تأكد بها يقينه وازدادت به بصيرته ، لأنه كان قد علم نبوته بما تقدم له من الآيات ، فكان هذا على وجه التأكيد لذلك . وعند أصحابنا وأكثر أصحاب التأويل ، وذكره الجبائي ايضاً : انه عرج به في تلك الليلة الى السماء وأت حتى بلغ سدرة المنتهى في السماء السابعة ، واراه الله من آيات السموات والارض ما ازداد به معرفة ويقيناً ، وكان ذلك في يقظته دون منامه ، والذي يشهد به القرآن الاسراء من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى ، والباقي يعلم بالخبر . وقوله { الذي باركنا حوله } يعني بالثمار ومجاري الانهار ، وقيل { باركنا } حوله بمن جعلنا حوله من الانبياء والصالحين ، ولذلك جعله مقدساً . { لنريه من آياتنا } من العجائب التي فيها اعتبار . وروي أنه كان رأى الأنبياء حتى وصفهم واحداً واحداً . وقوله { إِنه هو السميع البصير } اخبار منه تعالى أنه يجب أن يدرك المبصرات والمسموعات اذا وجدت ، لأنه حي ولا يجوز عليه الآفات . وقوله { وآتينا موسى الكتاب } يعني التوراة { وجعلناه } يعني التوراة التي انزلها { هدى } ودلالة لبني اسرائيل ، وقلنا لهم { لا تتخذوا من دوني وكيلاً } أي ربّاً تتوكلون عليه وكافياً تسندون اموركم اليه . وقال مجاهد : معنى { وكيلاً } شريكا ، قال المبرد : هذا لا شاهد له في اللغة . وقلنا يا { ذرّية من حملنا مع نوح } في سفينته وقت الطوفان { إنه كان عبداً شكوراً } يعني نوحاً كان عبداً كان لله شاكراً له على نعمه . وروي انه اذا كان اراد أكل طعام أو شراب قال : بسم الله ، وإِذا شبع قال الحمد لله ، ومن قال : هو نصب على أنه مفعول ، فانه قال تقديره لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح وكيلاً من دوني .