Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 23-24)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرا حمزة والكسائي وخلف " يبلغان " بألف وكسر النون على التثنية . الباقون يبلغن على الوحدة . وقرأ ابن كثير ، وابن عباس ، ويعقوب " افّ " بفتح الفاء من غير تنوين . وقرأ اهل المدينة وحفص بكسر الفاء مع التنوين . الباقون بكسر الفاء من غير تنوين . ومثله في الاحقاف . قال ابو علي الفارسي قوله { أحدهما } مرتفع بالفعل ، وقوله { أو كلاهما } معطوف عليه ، والذِّكر الذي عاد من قوله { أحدهما } يغني عن إِثبات علامة الضمير في { يبلغنّ } , فلا وجه لمن قال : إِن الوجه إِثبات الالف ، لتقدم ذكر الوالدين . ويجوز ان يكون رفع { أحدهما } على البدل من الضمير في { يبلغان } ويجوز ان يرفعه بفعل مجدد على تقدير إِما يبلغان عندك الكبر . يبلغ احدهما او كلاهما ، ويكون رفعاً على السؤال والتفسير كقوله { وأسروا النجوى الذين ظلموا } ومن اثبت الألف ، فعلى وجه التأكيد ، ولو لم يذكر لم يخلّ بالكلام نحو قوله { أموات غير أحياء } فقوله { غير أحياء } توكيد ، لأن قوله { أموات } دل عليه قال : وقول ابن كثير ( أفَّ ) يبني الفاء على الفتح ، لأنه وان كان في الأصل مصدراً من قولهم ( أفه وتفه ) يراد به نتناً وذفراً ، لقد سمي الفعل به فبني ، وهذا في البناء على الفتح كقولهم ( سرعان ذا إِهالة ) لما سار اسماً لـ ( سرع ) ، فكذلك ( أفَّ ) لما كان اسماً لـ ( كره ) ، ومثله ريداً ، في أنه سمي به الفعل ، فبني ولم يلحق التنوين إِلا ان هذا للأمر والنهي ، واف في الخبر . وقول نافع في البناء على الكسر مع التنوين ، مثل ( أف ) في البناء على الفتح : إِلا أنه بدخول التنوين دل على التنكير مثل إِيه ومه وصه ، ومثله قولهم صه ، فبنوه على الكسر ، وإِن كان في الأصل مصدراً ، كما كان ( أف ) في الأصل كذلك ، ومن كسر ولم ينون جعله معرفة ، فلم ينون ، كما أن من قال : صه وضاف ، فلم ينون اراد به المعرفة . وموضع ( أف ) على اختلاف القراءات موضع الجمل ، مثل ( رويد ) في أن موضعه موضع الجمل وكذلك لو قلت : هذا فدا قال أبو الحسن . وقول من قال ( اف ) اكثر وأجود ولو جاء ( أفّاً لك ) أحتمل أمرين : احدهما - أن يكون الذي صار إِسماً للفعل لحقه التنوين لعلامة التنكير . والآخر أن يكون نصباً معرباً ، وكذلك الضمير ، فإِن لم يكن معه لك كان ضعيفاً ، كما انك لا تقول ويل حتى تقرن به لك ، فيكون في موضع الخبر و ( أف ) كلمة يكنى بها عن الكلام القبيح وما يتأفف به ، لأن التف وسخ الظفر و ( الاف ) وسخ الاذن . وقيل التف كل ما رفعت بيدك من حقير من الأَرض ، وقيل معنى الأف الثوم ، وقيل الشرّ ، وقد جرى مجرى الاصوات ، فزال عنه الاعراب مثل ( صه ) ومعناه اسكت ، ومه ومعناه كفَّ وهيهات هيهات اي بعيد بعيد ، فاذا نوّنت أردت النكرة أي سكوتا وقبحاً ، واذا لم تنون أردت المعرفة . وإِنما جاز تحريك الفاء بالضم والفتح والكسر ، لان حركتها ليست حركة إِعراب ، وانما هي حركة التقاء الساكنين فتفتح لخفة الفتحة ، وتضم اتباعاً للضم قبله ، وقيل تضم تشبيهاً بقبل وبعد وتكسر على أصل حركة التقاء الساكنين . وفي ( أف ) سبع لغات : أفٍّ وافَّ وافِّ وافَّا و أَفي مماله ، وزاد ابن الانباري بسكون الفاء . وروي عن الرضا عن أبية عن جعفر بن محمد ( ع ) انه قال ( لو علم الله لفظ أوجز في ترك عقوق الوالدين من ( أف ) لاتى به ) . فان قيل هل اباح الله أن يقال لهما أف قبل أن يبلغا الكبر ؟ قلنا : لا ، لأن الله أوجب على الولد إِطاعة الوالدين على كل حال . وحظر عليه أذاهما وإِنما خصّ الكبر ، لأن وقت كبر الوالدين مما يضطر فيه الوالدان إِلى الخدمة اذا كانا محتاجين عند الكبر ، وفي المثل يقال فلان أبر من النسر ، لان النسر إِذا كبر ولم ينهض للطيران جاء الفرخ فزقه ، كما كان أبواه يزقانه ، ومثله قوله { ويكلم الناس في المهد وكهلاً } والوجه في قوله { وكهلاً } مع ان الناس يكلمون كلهم حال الكهولة ان الله اخبر أن عيسى يكلم في المهد أعجوبة وأخبر أَنه يعيش حتى يكتهل ويتكلم بعد الكهولة ، ونحوه قوله { والأمر يومئذ لله } وانما خصّ ذلك اليوم بأن الأمر لله ، لأن في الدنيا مع أنه يملك ، قد ملك اقواماً جعلهم ملوكاً وخلفاء ، وذلك اليوم لا يملك سواه . معنى قوله { وقضى ربك أَلا تعبدوا إِلاّ إِياه } أمر ، في قول ابن عباس والحسن وقتادة وابن زيد . فإِن قيل : الامر لا يكون أمراً بألاّ يكون الشيء ، لأنه يقتضي إِرادة المأمور به ، والإِرادة لا تتعلق بألاّ يكون الشيء ، وإِنما تتعلق بحدوث الشيء . قلنا : المعنى انه كره ربكم عبادة غيره وأَراد منكم عبادته على وجه الإخلاص وسمى ذلك أمراً بـ { أن لا تعبدوا إِلاّ إِياه } لأن معناهما واحد . وقوله { وبالوالدين إحساناً } العامل في الباء يحتمل شيئين : أحدهما - وقضى بالوالدين إحساناً . والثاني - وأوصى ، وحذف لدلالة الكلام عليه ، والمعنى متقارب ، والعرب تقول : أمر به خيراً وأوصى به خيراً ، وقال الشاعر : @ عجبت من دهماء إِذ تشكونا ومن أبي دهماء اذ يوصينا خيراً بها كأننا جافونا @@ فأعمل " يوصينا " في الخير ، كما أعمل في الاحسان . وقوله { إِمّا يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما } معناه متى بلغ واحد منهما أو هما الكبر { فلا تقل لهما أف } أي لا تؤذهما بقليل ولا كثير { ولا تنهرهما } أي لا تزجرهما بإِغلاظ وصياح يقال : نهره ينهره نهراً ، وانتهره انتهاراً إِذا أغلظ له { وقل لهما قولاً كريماً } أي شريفاً تكرمهما به . وتوقّرهما { واخفض لهما جناح الذلّ } أي تواضع لهما واخضع لهما . وقرأ سعيد بن جبير { الذل } بكسر الذال . والذل والذلة مصدر الذليل ، والذل مصدر الذلول ، مثل الدابة والارض تقول : جمل ذلول ، ودابة ذلول { وقل ربّ ارحمهما كما ربياني صغيراً } أي ادع لهما بالمغفرة والرحمة كما ربّياك في حال صغرك . وقال قوم الاستغفار لهما منسوخ إِذا كانا مشركين بقوله { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } وقال البلخي : الآية تختص بالمسلمين .