Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 43-45)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ أهل العراق إِلا أبا بكر { تسبح } بالتاء . وقرأ ابن كثير وحفص { عمّا يقولون } بالياء . وقرأ أهل الكوفة إِلا أبا بكر { عما تقولون } بالتاء . قال ابو علي : فمن قرأ { عما يقولون } بالياء فالمعنى على ما يقول المشركون . ومن قرأ بالتاء يحتمل شيئين : احدهما - أن يعطف على قوله { كما تقولون } كما عطف قوله { يحشرون } على { ستغلبون } . والثاني - ان يكون نزه نفسه عن دعواهم ، فقال { سبحانه عما يقولون } . وقرأ عاصم ونافع وابن عامر وابن عباس : بالياء عطف على ما تقدم . وقوله { عما يقولون } على أنه نزه نفسه عن قولهم أو على معنى قل لهم سبحانه عما يقولون فأمّا قوله { يسبح } بالياء والتاء ، فحسنان . وقد بينا في غير موضع معناه ، ويقوّي التأنيث قراءة عبد الله فسبحت له السموات . لما اخبر الله تعالى أنه { لو كان معه آلهة } سواه على ما يدعيه المشركون { ليبتغوا إلى ذي العرش سبيلاً } ونزه نفسه عن ذلك ، فقال { سبحانه } ويحتمل أن يكون أمر نبيه أن يقول { سبحانه } أي تنزيهاً له تعالى { عما يقولون } أى عن قولهم ، ويجوز ان يكون المراد عن الذي يقولونه من الأقوال الشنيعة فيه بأن معه آلهة { علواً كبيراً } وإِنما لم يقل تعالياً ، لأنه وضع مصدراً مكان مصدر نحو { وتبتل إليه تبتيلاً } ومعنى " تعالى " اي صفاته في أعلى المراتب ، فانه لا مساوي له فيها ، لأنه قادر ، ولا أحد أقدر منه ، وعالم لا أحد أعلم منه ، ولا مساوي له في ذلك . ثم أخبر أنه { يسبح له } اي ينزهه عن ذلك { السماوات السبع والأرض ومن فيهن } يعني في السموات والارض من العقلاء ، وتنزيه السموات والارض هو ما فيهما من الدلالة على توحيده وعدله ، وأنه لا يشركه في الإِلهية سواه . وجرى ذلك مجرى التسبيح باللفظ ، وتسبيح العقلاء يحتمل ذلك : تسبيحهم باللفظ ، غير أن ذلك يختص بالموحدين منهم دون المشركين . وقوله { وإِن من شيء إِلاّ يسبح بحمده } اي ليس شيء من الموجودات إِلا يسبح بحمد الله ؛ يعني كل شيء يسبح بحمده ، من جهة خلقته ، او معنى صفته إذ كل موجود سوى القديم تعالى حادث ، يدعو إِلى تعظيمه لحاجته إِلى صانع غير مصنوع ، صنعه أو صنع من صنعه ، فهو يدعو إِلى تثبيت قديم غني بنفسه عن كل شيء سواه ، لا يجوز عليه ما يجوز على المحدثات ، وما عداه الحادث يدل على تعظيمه بمعنى حدثه من معدوم لا يصح الا به ، لدخوله في مقدوره او مقدور مقدوره ومما سبحه من يسبح بحمده من جهته ، معنى صفة في قوله ، فهو على العموم في كل شيء . وقال بعضهم : سل الارض من شقّ أنهارك ؟ وغرس أشجارك ؟ وجنى ثمارك ؟ فان لم تجبك حواراً أجابتك اعتباراً . وقال الحسن : المعنى وإِن من شيء من الاحياء إِلا يسبح بحمده . وقال علي ابن ابراهيم وغيره من اهل العلم : كل شيء على العموم يسبح بحمده حتى صرير الباب . وقوله { ولكن لا تفقهون تسبيحهم } اي لستم تفقهون تسبيح هذه الاشياء ، من حيث لم تنظروا فيها ، فتعلموا كيفية دلالتها على توحيده . وقوله { إِنّه كان حليماً غفوراً } اي كن حليماً حيث لم يعاجلكم بالعقوبة على كفركم ، وأمهلكم إِلى يوم القيامة ، وستره عليكم ، لأنه ستّار على عباده ، غفور لهم إِذ تابوا وأنابوا اليه وقوله { وإِذا قرأت القرآن } خطاب لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم انه متى قرأ القرآن { جعلنا بينك } يا محمد { وبين } المشركين { حجاباً مستوراً } اي كأن بينك وبينهم حجاباً من أن يدركوا ما فيه من الحكمة وينتفعوا به . وقيل : " مستوراً " عن أبصار الناس . وقيل " مستوراً " - ها هنا - بمعنى ساتراً عن إِدراكه ، كما يقال : مشؤم عليهم أو ميمون في موضع شائم ويامن ، لأنه من شؤمهم ويمنهم . والأول أظهر وقيل قوله { وجعلنا بينك } وبينهم { حجاباً مستوراً } نزل في قوم كانوا يأذونه باللسان إِذا تلا القرآن ، فحال الله بينهم وبينه حتى لا يؤذوه . والأول - قول قتادة : والثاني - قول ابو علي ، والزجاج . وقال الحسن : معناه إِن منزلتهم فيما أعرضوا عنه منزلة من بينك وبينه حجاب .