Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 70-72)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اخبر الله تعالى : انه كرّم { بني آدم } وانما عنى بني آدم بالتكرمة مع ان فيهم كفاراً ، لان المعنى كرمناهم بالنعمة على وجه المبالغة في الصفة . وقال قوم : جرى ذلك مجرى قوله { كنتم خير أمة أخرجت للناس } فاجرى الصفة على جماعتهم من اجل من فيهم على هذه الصفة . ثم بين تعالى الوجوه التي كرّم بها بني آدم بأنه حملهم في البرّ والبحر على ما يحملهم من الابل وغيرها ، كما قال : { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } والبحر ، والسفن التي خلقها لهم واجراها بالرياح فوق الماء ليبلغوا بذلك حوائجهم { ورزقناهم من الطيبات } يعني من الثمار والفواكه وطيبات الاشياء ، وملاذها التي خص بها بني آدم ولم يشرك شيئاً من الحيوان فيها من فنون الملاذ . وقيل : من تفضيل بني آدم ان يتناول الطعام بيديه دون غيره ، لان غيره يتناوله بفيه ، وانه ينتصب ، وما عداه على اربع او على وجهه . وقوله : { وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً } وليس المراد بذلك تفضيلهم بالثواب ، لان الثواب لا يتفضل به ابتداء ، وانما فضلهم ابتداء بان خلق لهم من فنون النعم وضروب الملاذ ما لم يجعله لشيء من الحيوان ، وانما فعل ذلك تفضلاً منه تعالى ، ولما في ذلك من اللطف للعاقل ، والصلاح الذي ينتظم ويتم بهذا التأويل ، واستدل جماعته بقوله { وفضلناهم على كثير ممن خلقنا } على تفضيل الملائكة على الانبياء ، قال لان قوله { على كثير ممن خلقنا } يدل على ان ها هنا من لم يفضلهم عليهم ، وليس الا الملائكة ، لان ابن آدم افضل من كل حيوان سوى الملائكة بلا خلاف . وهذا باطل بما قلناه من ان المراد بذلك تفضيلهم بالنعم الدنياوية ، والالطاف ، وليس المراد بذلك الثواب بدلالة ابتدائهم بهذا التفضيل . والثواب لا يجوز الابتداء به . وقوله { يوم ندعوا كل أناس بإِمامهم } قال الزجاج : يتعلق بقوله { يعيدكم … يوم ندعوا } وقيل : تقديره اذكر يوم . وقيل انه يتعلق بقوله { وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً … يوم ندعوا } ، لان ما فعله بهم من الالطاف في الدنيا ، لان يطيعوا ويفعلوا من الافعال ما يدعون به يوم القيامة . واختلفوا في الإمام الذي يدعون به يوم القيامة ، فقال مجاهد وقتادة : إِمامه نبيه . وقال ابن عباس : إِمامه كتاب علمه . وروي عنه ايضاً أن إِمامهم كتابهم الذي انزل الله اليهم فيه الحلال والحرام والفرائض والاحكام . وقال البلخي : بما كانوا يعبدونه ، ويجعلونه إِماماً لهم . وقال ابو عبيد : بما كانوا يأتمون به في الدنيا . وهو قول ابي جعفر وابي عبدالله ( ع ) . وقوله { فمن أُوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرأون كتابهم … } الاية ، جعل الله تعالى إِعطاء الكتاب باليمين من علامة الرضا والخلاص ، وأَن من أعطي كتابه باليمين تمكن من قراءته وسهل له ذلك ، وكان فحواه أن من أعطي كتابه بشماله أو وراء ظهره ، فإِنه لا يقدر على قراءة كتابه ، ولا يتأتى له ، بل يتلجلج فيه ، لما يراه من المعاصي الموبقات . وقوله { ولا يظلمون فتيلاً } معناه لا يبخس أحد حقه ، ولا يظلم شيئاً ، سواء كان مستحقاً للثواب أو العقاب ، فإِن المستحق للثواب لا يبخس منه شيئاً والمستحق للعقاب لا يفعل به أكثر من استحقاقه ، فيكون ظلماً له . ( والفتيل ) هو المفتول الذي في شق النواة - في قول قتادة - وقيل الفتيل في بطن النواة ، والنقير في ظهرها ، والقطمير قشر النواة ، ذكره الحسن . وقوله { ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً } قرأ أهل العراق إِلا حفصاً والأعشى { ومن كان في هذه أعمى } بالامالة . الباقون بالتفخيم وقرأ حمزة والكسائي إِلا نصيراً ، وخلفاً ، وأبا بكر إِلا الأعشى والبرجمي { فهو في الآخرة أعمى } بالأمالة : الباقون بالتفخيم . وقيل في معنى الآية قولان : أحدهما - قال ابن عباس ، ومجاهد وقتادة ، وابن زيد : من كان في أمر هذه الدنيا ، وهي شاهدة له من تدبيرها وتوثقها وتقلب النعم فيها أعمى عن اعتماد الصواب الذي هو مقتضاها ، فهو في الآخرة التي هي غائبة عنه { أعمى وأضل سبيلاً } وقال قوم : من كان في هذه الدنيا أعمى عن طريق الحق ، فهو في الاخرة أعمى عن الرشد المؤدي إِلى طريق الجنة . وقال أبو علي : فهو في الآخرة أعمى عن طريق الجنة . ومن فخم في الموضعين ، فلأن الياء فيهما قد صارت ألفاً لانفتاح ما قبلها . والأصل فمن كان في هذه اعمى ، فهو في الآخرة أعمى ، ومن كان فيما وضعناه من نعيم الدنيا اعمى ، فهو في نعيم الآخرة اعمى . واما تفريق ابي عمرو بين اللفظين فلاختلاف المعنى ، فقال ومن كان في هذه اعمى ممالاً ، فهو في الاخرة اعمى بالفتح اي أشدّ عماً ، فجعل الأول صفة بمنزلة أحمر وأصفر ، والثاني بمنزلة أفعل منك ، كقوله { وأضل سبيلاً } اي اعمى قلباً . والعمى في العين لا يتعجب منه بلفظة ( أفعل ) ، ولا يقال ما أعماه ، بل يقال ما أشدّ عماه ، وفي القلب ما أعماه بغير أشدّ ، لأن عما القلب حمق ، كما قال الشاعر لمرور ما أحمره وأبيضه ، فقال : @ أمّا الملوك فأنت اليوم ألأمهم لؤماً وأبيضهم سربال طباخ @@ وقال بعضهم : لا وجه لتفريق ابي عمرو ، لأن الثاني ، وإِن كان بمعنى ( أفعل منك ) فلا يمنع من الامالة ، كما لم يمنع بالذي هو ادنى ، قال ابن خالويه ابو عبد الله إِنما اراد ابو عمرو ان يفرق بينهما لما اختلف معناهما ، واجتمعا في آية واحده ، كما قرأ { ويوم القيامة يردون } يعني الكفار ، ثم قال في آخرها { عما تعملون } اي أنتم وهم ، ولو وقع مفرداً ، لأجاز الامالة والتفخيم فيهما ، قال ابو علي : ومن أمال الجميع كان حسناً ، لانه ينحو نحو الياء بالالف ليعلم انها منقلبة الى الياء وان كانت فاصلة او مشبهة للفاصلة ، فالامالة حسنة فيها ، لأن الفاصلة موضع وقف ، والالف تخفى في الوقف ، فأمّا إِذا أمالها ، نحا بها نحو الكسرة وليكون أظهر لها وأبين .