Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 94-96)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الله تعالى وما صرف الناس ، يعنى المشركين الذين لم يؤمنوا ، وانما أخبر عنه بالمنع مبالغة له في الصرف ، لان المنع يستحيل معه الفعل ، والصرف يمكن معه الفعل ، لكنه لشدّة صرفه شبّه بالمنع . وقوله { أَن يؤمنوا } اي ما صرفهم عن التصديق بالله ورسوله حين جاءهم الهدى ، يعنى الحجج والبينات ، وطريق الحق إِلا قولهم { أبعث الله بشراً رسولاً } فدخلت عليهم الشبهة في أنه لا يجوز من الله أَن يبعث رسولاً إِلا من الملائكة ، كما دخلت عليهم الشبهة في أَن عبادتهم لا تصلح لله ، فوجّهوها إِلى الاصنام ، فعظموا الله تعالى بجهلم ، بما ليس فيه تعظيم . وهذا فاسد ، لأَن تعظيم الله إِنما يكون بأن يشكر على نعمته بغاية الشكر ويحمد غاية الحمد ، ويضاف اليه الحق دون الباطل ، وهم عكسوا فأضافوا الباطل اليه وما يتعالى عن فعله أو إرادته . وإِنما عدلوا عن الهدى إِلى الضلال تقليداً لرؤسائهم . واعتقاداً للجهل بالشبهة . فان قيل لم جاز ان يرسل الله إِلى النبي - وهو من البشر - ملكاً ليس من جنسه ؟ ولم يجز أن يرسل إِلى غير النبي مثل ذلك ؟ ! قلنا : لانه صاحب معجزة ، وقد اختير للهداية والمصلحة ، فصارت حاله بذلك مقارِبةً لحال الملك ، وليس كذلك غيره من الأمة ، مع ان الجماعة الكثيرة ينبغي ان يتخير لها ما تجتمع عليه هممها بما لا يحتاج اليه في الواحد منا إِذا اريد صلاح الجميع . وقيل : لأنهم لا يجوز ان يروا الملك ، وهم على هذه الهيئة التي هم بها , على أنه يلزمهم على الامتناع من اتباع النبيّ - لأنه بشر مثلهم - الامتناع من اتباع الملك ، لانه عبد ومحدث مثلهم في العبودية والحدوث ، فان جاز ذلك ، لان الله تعالى عظمه وشرّفه واختاره ، جاز ايضاً في البشر لمثل هذه العلة . ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { قل } لهم { لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين } قال الحسن معنى { مطمئنين } قاطنين فيها . وقال الجبائي : { مطمئنين } عن امر الله الذي يلزم بالاعراض عنه الذم ، كما قال تعالى { ولكنه أخلد إِلى الأرض واتبع هواه } ثم قال له { قل } لهم كفى بالله ، أي حسبي الله شهيداً وعالماً بيني وبينكم { إنه كان بعباده خبيراً بصيراً } أي عالماً بكم وبي ، مدرك لنا . ونصب { شهيداً } على التمييز ، وتقديره حسبي الله من الشهداء ، ويجوز ان يكون نصبا على الحال ، وتقديره كفى الله في حال شهادته . وإِنما قال هذا جوابا لهم حين قالوا : من يشهد لك بأنك رسول الله ؟ فقال الله له { قل كفى بالله شهيداً } .