Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 91-93)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابن عامر { قال سبحان ربي } . الباقون { قل سبحان ربي } وقرأ اهل المدينة وابن عامر وعاصم { كسفاً } بفتح السين . الباقون باسكانها من قرأَ { قال سبحان } معناه إِن الرسول قال ذلك عند إِقتراحهم ما تقدم ذكره ، مما لا يدخل تحت مقدور البشر . ومن قرأَ { قل } فعلى أَنه أُمر بأن يقول لهم ذلك ويقويه قوله { قل إِنما أنا بشر مثلكم } قال ابو زيد : يقال : كسفت الثوب أَكسفه كسفاً إِذا قطعة قطعاً ، والكسف القطع واحده كسفة مثل قطعة . قال ابو عبيد : كسفاً قطعاً . ومن فتح السين جعله جمع كسفة ، قال كسَفاً مثل قطعة وقطع . ومن سكنه جاز ان يريد الجمع ، مثل وسدرة . ويجوز ان يريد به المصدر . والمعنى اطبق علينا السماء كسفاً اي طبقاً . نزلت هذه الآية في أَقوام اقترحوا على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآيات ؛ قالوا { لن نؤمن لك } اي لن نصدقك في أَنك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تأتي بها ، وهم كانوا جماعة من قريش ، منهم عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وابو سفيان ، والاسود ابن المطلب بن أَسد ، وزمعة بن الأسود ، والوليد بن المغيرة ، وابو جهل ابن هشام ، وعبد الله بن أَبي أُميَّة ، وأميَّة بن خلف ، والعاص بن وابل ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميان . على ما ذكر ابن عباس . فمن الآيات التي اقترحوها ما ذكره في الآية المتقدمة بأن قالوا { لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } اي تشقق لنا من الارض عيون ماء في بلادنا { أو تكون لك جنة } يعني بستاناً من نخيل وعنب ، وتشقق الانهار خلالها اي في خلالها ، ووسطها تشقيقاً { أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً } وقرىء بسكون السين ، وفتحها ، والكسف القطع ، في قول ابن عباس ومجاهد وقتادة . ويحتمل وجهين : احدهما - ان يكون جمع كسفة وكسف بسكون السين كسدرة وسدر بسكون الدال ، وهو للجنس يصلح ، للكثير والقليل ، ويقول العرب : اعطني كسفة من هذا الثوب أَي قطعة منه ، حكى ذلك الفراء ، انه سمعه من بعض العرب ؛ ومن ذلك الكسوف ، لانقطاع نوره . والثاني - يجوز ان يكون الكسَف مصدراً من كسفت الشيء إِذا غطيته بالغطاء عمّن يراه , فكأنهم قالوا : تسقطها طبقاً علينا . وقوله { أَو تأتي بالله والملائكة قبيلاً } فيه دلالة على أَنهم كانوا مشبهة ، لأن العارف بالله على الحقيقة لا يقول هذا ، لأنه لا يجوز عليه تعالى المقابلة ، ولا لهم إِستعمال هذا على معنى دلائل وآيات الله إِذ لا دلائل تدل على ذلك ، فلا يشرط في الظاهر ما ليس فيه ، لانه لم يثبت معرفتهم وحكمتهم ، فيصرف ذلك عن ظاهره . ومعنى { قبيلاً } قال الفراء : معناه كفيلاً بذلك ؛ يقال قبلت وكفلت ، وزعمت وحملت قَبِلَه . وقال غيره : يعني مقابلة . وقال قتادة وابن جريج والزجاج : معناه نعاينهم معاينة ، قال الشاعر : @ نصالحكم حتى تبؤوا بمثلها كصرخة حبلى بشّرتها قبيلها @@ اي قابلتها ، وهي مقابلة لها ، والعرب تجرية في هذا المعنى مجرى المصدر فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث . وقوله { أو يكون لك بيت من زخرف } قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والفراء : يعني بيتاً من ذهب { أو ترقي في السماء } اي تصعد إِليها أَمامنا بحذائنا بسلم ، قال الفراء إِنما قال في السماء ، ولم يقل الى ، لأن المراد او ترقى في سلم الى السماء ، فأتى بـ ( في ) ليدل على ما قلناه يقال : رقيت في السلم أَرقى رقياً ، ورقيت من الرقيا أرقوه رقياً ورقية { ولن نؤمن لرقيّك } اي لصعودك حتى تنزل علينا كتاباً مكتوباً نقرأه كما أنزل على موسى الالواح ، فقال الله تعالى له { قل } يا محمد { سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً } وإِنما أجابهم بذلك ، لان المعنى انكم تقترحون علي الآيات وليس أَمرها اليّ وإِنما أَمرها الى الذي أرسلني والذي هو أَعلم بالتدبير مني وما ينص عليه من الدليل ، فلا وجه لطلبكم هذا مني مع ان هذه صفتي ، لاني رسول أؤدي اليكم ما أوحي اليّ وأمرت بان أؤديه اليكم . ومن قرأ { قال سبحان } حمله على أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك ابتداء من قبل نفسه ، قبل ان يؤمر به ، لعلمه بأن الآيات لا تتبع الشهوات ، والاقتراحات ، وانما تتبع المصالح ، ولو تبعت الشهوات لكان كل واحد يقترح غير ما يقترحه الآخر فيؤدي الى الفساد .