Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 1-3)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابو بكر { لدنه } باسكان الدال واشمال الضمة ، وكسر النون والهاء وإيصالها بياء . الباقون بضم الدال وسكون النون وضم الهاء من غير واو ، إلا ابن كثير ، فانه كان يصل الهاء بواو . واعلم أن { لدن } اسم غير متمكن ، ومعناه ( عند ) ، قال الله تعالى { من لدن حكيم خبير } فالنون ساكنة في كل أحوالها ، والهاء إذا أتت بعد حرف ساكن لم يجز فيها إلا الضم نحو ( منه ) فالاصل ( منهو ) و ( لهو ) فهو كقول ابن كثير ، غير أنهم حذفوا الواو اختصاراً ، وإنما أسكن ابو بكر الدال استثقالا للضم كما قالوا " في كرم زيد " : قد كرم زيد ، فلما سكن الدال التقى ساكنان ، النون والدال ، فكسر النون لالتقاء الساكنين ، وكسر الهاء لمجاورة حرف مكسور ، ووصلها بهاء كما تقول : مررت به ، ولو فتح النون لالتقاء الساكنين لجاز ، بعد أن أسكن الثاني كقول الشاعر : @ عجبت لمولود وليس له أب ومن ولد لم يلده ابوان @@ يعني آدم وعيسى . فلا يتوهم أن عاصماً كسر النون علامة للجزم ، لان { لدن } لا تعرب . وحكى ابو زيد : جئت فلاناً لدن غدوة - بفتح الدال - . يقول الله تعالى لخلقه قولوا { الحمد لله الذي } خص برسالته محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) وانتجبه لابلاغها عنه ، وبعثه الى خلقه نبياً رسولا ، وانزل عليه كتاباً قيما ، ولم يجعل له عوجاً . وقيل في معنى قوله { قيماً } قولان : أحدهما - معتدلا مستقيما . الثاني - أنه قيم على سائر الكتب يصدقها ويحفظها . والأول قول ابن عباس . فعلى هذا " قيما " مؤخر ، والمراد به التقدم ، وتقديره أنزل الكتاب قيماً ، ولم يجعل له عوجاً أي اختلافاً . وقال الضحاك : معناه مستقيماً . وقال ابن اسحاق : معناه معتدلا لا اختلاف فيه . وقال قتادة : أنزل الله الكتاب قيماً ، ولم يجعل عوجاً . وفي بعض القراءات { ولكن جعله قيماً } وكسرت العين من قوله " عوجاً " لأن العرب تقول : عوجاً - بكسر العين - في كل اعوجاج كان في دين أو فيما لا يرى شخصه قائماً ولا يدرك عياناً منتصباً كالعوج في الدين ، ولذلك كسرت العين في هذا الموضع . وكذلك العوج في الطريق ، لانه ليس بالشخص المنتصب . فأما ما كان في الاشخاص المنتصبة فان عينها تفتح كالعوج في القناة والخشبة ونحوها . وقال ابن عباس : معنى قوله { ولم يجعل له عوجاً } أي لم يجعله ملتبساً . ولا خلاف بين أهل العربية ان قوله { قيماً } وإن كان مؤخراً فتقديره الى جنب الكتاب . وإنما افتتح الله تعالى هذه السورة بذكر نفسه بما هو أهله ، وبالخبر عن انزال كتابه على رسوله ، ليخبر المشركين من أهل مكة بأن محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) رسوله ، لأن المشركين كانوا سألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن أشياء لقنوها إياهم اليهود ، من قريظه والنضير ، وأمروهم أن يسألوه عنها ، وقالوا : إن اخبركم بها فهو نبي ، وإن لم يخبركم فهو مقتول ، فوعدهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الجواب عنها ، موعداً فأبطأ - على قول بعضهم - الوحي عنه بعض الابطاء وتأخر مجيء جبرائيل ( ع ) عنه ، عن ميعاده القوم فتحدث المشركون بأنه اخلفهم موعده ، وأنه مقتول ، فأنزل الله هذه السورة جواباً عن مسائلهم ، وافتتح أولها بذكره تكذبباً للمشركين فيما تحدثوا بينهم من احدوثتهم - ذكر ذلك محمد بن اسحاق باسناده عن عكرمة عن ابن عباس - وكان الذين ذهبوا الى اليهود وسألوهم عن أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) النضر بن الحارث بن كلدة ، وعقبة بن أبي معيط ، وكانت المسائل التي لقنوهم إياها : أن قالوا : سلوه عن ثلاثة اشياء ، فان أخبركم بهن ، فهو نبي مرسل ، وإن لم يفعل فانه مقتول ، سلوه عن فتية ذهبوا فى الدهر الأول ، ما كان أمرهم ؟ فانه كان لهم حديث عجيب . وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الارض ومغاربها ، ما كان نبؤه ؟ وسلوه عن الروح ما هو ؟ فان اخبركم بذلك فانه نبي مبعوث ، فاتبعوه ، وإن لم يخبر كم فانه مقتول . فرجعا الى مكة واجتمعا مع قريش فجاؤا الى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسألوه عنها ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اخبركم بذلك . وقال بعضهم : انه قال : اخبركم غداً بما سألتم ، ولم يستثن ، وانصرفوا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فمكث رسول الله خمس عشرة ليلة لا ينزل الله اليه في ذلك وحياً ، ولا يأتيه جبرائيل ( ع ) حتى اوجف أهل مكة ، وتكلموا في ذلك ، فشق ذلك على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله عليه جبرائيل ومعه ( سورة الكهف ) يخبره فيها عما سألوه عنه من أمر الفتية ، والرجل الطواف ، وانزل عليه { ويسألونك عن الروح … } الآية . فروى ابن إسحاق أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أفتتح السورة ، فقال { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً قيماً } أي معتدلا ، لا اختلاف فيه . وقوله { لينذر بأساً شديداً من لدنه ، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً ماكثين فيه أبداً } معناه أنزل على عبده القرآن معتدلا مستقيماً لا عوج فيه ، لينذركم أيها الناس بأساً شديداً من أمر الله . ومعنى البأس العذاب العاجل والنكال الحاضر ، والسطوة . ومعنى { من لدنه } من عند الله ، وهو قول ابن اسحاق ، وقتادة . ومفعول { لينذر } محذوف ، لدلالة الكلام عليه ، وتقديره : لينذركم بأساً كلما قال { يخوف أولياءه } وتقديره يخوفكم أولياءه ، ومعنى { ويبشر المؤمنين } يعني المصدقين بالله ورسوله { الذين يعملون الصالحات } يعني ما أمرهم الله به من الطاعات ، وهي الاعمال الصالحات ، والانتهاء عما نهاهم عنه { أن لهم أجراً حسناً } يعني ثواباً جزيلاً من الله على ايمانهم بالله ورسوله ، وعملهم في الدنيا بالطاعات واجتناب المعاصي ، وذلك الثواب هو الجنة . وقوله { ما كثين فيه أبداً } أي لابثين فيه ابداً خالدين مؤبدين لا ينتقلون عنه ولا ينقلبون ، ونصب { ماكثين } على الحال من قوله { إن لهم أجراً حسناً } في هذه الحال ، في حال مكثهم في ذلك الاجر .