Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 109-109)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المعنى بقوله : { ود كثير من أهل الكتاب } عن الحسن النصارى واليهود . وقال الزهري ، وقتادة : كعب بن الاشراف ، وعن ابن عباس حي بن اخطب ، وابو ياسر بن اخطب . وحسداً نصب على أحد أمرين : أحدهما على الجملة التي قبله بدلا من الفعل . كانه قال : حسدوكم حسداً كانه قال : نحسدك حسدا . والآخر : ان يكون مفعولا . كانه قال : يردّونكم لاجل الحسد كما تقول : جئته خوفاً منه . تقول حسدت احسد حسداً ، وحسدتك على الشيء ، وحسدتك الشيء بمعنى واحد . قال الشاعر : @ فقلت إلى الطعام فقال منهم فريق نحسد الانس الطعاما @@ ورجل حاسد وحسود ، وحسّاد . والحسد هو الاسف بالخير على من له خير . واشد الحسد التعرض للاغتمام بكون الخير لاحد . وقد يكون الحاسد متمنياً لزوال النعمة عن المحسود وان لم يكن يطمع في تحول تلك النعمة . والصفح هو التجاوز عن الذنب . والصفح ، والعفو ، والتجاوز بمعنى واحد . يقال صفح صفحاً وتصفح تصفحة ، وتصافحوا تصافحاً والصفحة ما كان من ظاهر الشيء . يقال لظاهر جلد الانسان : صفحة ، وكذلك هو من كل شيء . ومن هذا صافحته : اي لقيت صفحة كفه صفحة كفي . وفي الحديث النشيج للرجال والتصفح للنساء : اي التصفيق . فانما هو لانها تضرب بصفحة كف على صفحة الاخرى . وانشد الاصمعي : @ كأن مصفحات في ذراه وانواحاً عليهن المآلى @@ المآلي جمع مئلاة وهي خرقة تمسكها النايحة تقلص بها دمعتها . والصفاح من السيوف العراض واحدها صفحة وصُفحة . وقال : @ ضربناهم حتى اذا ارفضَّ جمعهمْ علوناهم بالمرهفات الصفائح @@ وصفحت عنه قيل فيه قولان : احدهما اني آخذه بذنبه . وابديت له مني صفحة جميلة . [ الثاني ] وقيل بل لم ير مني ما يقبض صفحته . وتقول صفحت الورقة : اي تجاوزتها إلى غيرها . ومنه تصفحت الكتاب ، وقد تصفح الكتاب ، وقد يتصفح الكتاب من لا يحسن ان يقرأ . ويسمى الصفح من المصحف وغيره من الدفاتر من الصفحة . ومنه { فاصفح الصفح الجميل } وقوله : { فاعفوا واصفحوا } قال الحارث بن هشام : @ وصفحت عنهم والاحبة فيهم طمعاً لهم بعقاب يوم سرمد @@ اي لم احاربهم لاقبض صفاحهم ، او اريهم ذلك في نفسي . ويقال نظر اليهم صفحاً بقدر ما ابدي صفحته لم يتجاوز . والصفاح موضع سمي بذلك ، لانه صخور مستوية تبدو صفائحها . وأصل الباب صفحة الشيء وهي ظاهره . وقوله : { من عند أنفسهم } قال الزجاج : متعلق بـ { ودّ كثير } لا بقوله : { حسداً } ، لان حسد الانسان ، لا يكون من غير نفسه . وقد يجوز ان يتصل بقوله : { حسداً } على التوكيد . كما قال تعالى : { ولا طائر يطير بجناحية } ويحتمل وجهاً آخراً وهو ان اليهود كما يضيفون الكفر والمعاصي إلى الله تعالى ، فقال الله : { من عند أنفسهم } تكذيباً لهم انها من عند الله . وقوله : { من بعد ما تبين لهم الحق } قال قتادة : من بعد ما تبين لهم ان محمداً رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والاسلام دين الله . وهو قول الربيع والسدي وابن زيد ، وروى عن ابن عباس مثله . وقال بن عباس : ان قوله : { فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره } منسوخة بقوله : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } وقال قتادة نسخت بقوله : { قاتلوا المشركين الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } الآية . وبه قال الربيع والسدي . وروي عن ابي جعفر محمد بن علي : انه قال : لم يؤمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بقتل ، ولا اذن له فيه حتى نزل جبرائيل ( ع ) بهذه الآية { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا } وقلده سيفاً . وقوله : { حتى يأتي الله بأمره } قال ابو علي : " بامره " لكم يعاقبهم او يعافيهم هو على ذلك ، ثم اتى بامره فقال : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله } وقوله : { إن الله على كل شيء قدير } قيل فيه ثلاثة اقوال : قال ابو علي : انه قدير على عقابهم اذ هو { على كل شيء قدير } . وقال الزجاج : قدير على ان يدعو إلى دينه بما احب مما هو الأليق بانجائكم اي فيأمر بالصفح تارة وبالعقاب اخرى على حسب المصلحة . والثالث انه لما امر بالامهال ، والتأخير في قوله : { فاعفوا واصفحوا } كأنّ فيه تعلق النفس بالعافية في ذلك ، فقال امهلوهم فانهم لا يعجزون الله ، ولا يفوتونه ، اذ هو { على كل شيء قدير } . وانما امرهم بالصفح ، والعفو وان كانوا مضطهدين مقهورين مقموعين ، من حيث ان كثيراً من المسلمين كانوا عزيزين في عشائرهم ، وأقوامهم يقدرون على الانتصار والانتقام من الكفار ، فامرهم الله تعالى بان يعفوا وإن قدروا حتى يأتي الله بامره .