Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 154-154)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المعنى : فان قيل : هل الشهداء أحياء على الحقيقة ، أم معناه أنهم سيحيون وليسوا أحياء ؟ قلنا : الصحيح أنهم أحياء إلى أن تقوم الساعة ، ثم يحيبهم الله في الجنة , لا خلاف بين أهل العلم فيه إلا قولا شاذاً من بعض المتأخرين . والأول قول الحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، والجبائى ، وابن الاخشاد ، والرمانى ، وجميع المفسرين . والقول الثاني حكاه البلخي . يقال : ان المشركين كانوا يقولون : إن أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) يقتلون نفوسهم في الحرب لا لمعنى ، فأنزل الله تعالى الآية . وأعلمهم أنه ليس الأمر على ما قالوه ، وأنهم سيحيون يوم القيامة ويثابون ، ولم يذكر ذلك غيره . وقيل : ليس هم أمواتاً بالضلالة بل هم أحياء بالطاعة ، والهدى ، كما قال : { أومن كان ميتاً فأحييناه } فجعل الضلالة موتاً ، والهداية حياة . وقيل : معناه ليس هم أمواتاً بانقطاع الذكر ، بل هم احياء ببقاء الذكر عند الله ، وثبوت الاجر عنده . واستدل ابو علي الجبائي على أنهم أحياء في الحقيقة بقوله : { ولكن لا تشعرون } فقال : لو كان المعنى سيحيون في الآخرة ، لم يقل للمؤمنين المقرين بالبعث ، والنشور { ولكن لا تشعرون } لأنهم يعلمون ذلك ، ويشعرون به . فان قيل : ولم خصّ الشهداء بأنهم احياء , والمؤمنون كلهم في البرزخ أحياء ؟ قيل يجوز أن يكونوا ذكروا اختصاصاً ، تشريفاً لهم . وقد يكون على جهة التقديم للبشارة بذكر حالهم في البيان لما يختصون به من أنهم يرزقون ، كما قال تعالى { بل أحياء عند ربهم يرزقون } وإنما قيل للجهاد سبيل الله ، لأنه طريق الى ثواب الله تعالى . اللغة : والموت : نقص بنية الحياة . والموت - عند من قال إنه معنى عرضي - ينافي الحياة منافاة التعاقب . ومن قال : ليس بمعنى قال : هو عبارة عن فساد بنية الحياة . فأما الحياة ، فهي معنى بلا خلاف . الاعراب : وقوله : { أموات } رفع بانه خبر ابتداء محذوف ، كأنه قال : لا تقولوا هم أموات . ولا يجوز فيه النصب على قولك : قلت خيراً ، لأن الخير في موضع المصدر كأنه قال : قلت قولا حسناً . فاما قوله { ويقولون طاعة } فيجوز فيه الرفع والنصب في العربية : ألرفع على منا طاعة : والنصب على نطيع طاعة والفرق بين { بل } و { لكن } ان { لكن } نفي لأحد الشيئين ، وإثبات للآخر ، كقولك : ما قام زيد لكن عمرو ، وليس كذلك { بل } ، لانها للأضراب عن الأول ، والاثبات للثاني ، ولذلك وقعت في الايجاب كقولك : قام زيد بل عمرو . فاما اذا قصد المتكلم ، فانما هو ليدل على أن الثاني أحق بالاخبار عنه من الاول ، كقولك : قام زيد بل عمرو ، كأنه لم يعتد بقيام الأول . اللغة : والشعور : هو ابتداء العلم بالشيء من جهة المشاعر ، وهي الحواس ، ولذلك لايوصف تعالى بأنه شاعر ، ولا أنه يشعر ، وإنما يوصف بأنه عالم ويعلم . وقد قيل : إن الشعور إدراك مادقّ للطف الحسن مأخوذ من الشعر لدقته ، ومنه شاعر ، لانه يفطن من إقامة الوزن وحسن النظم بالطبع لما لا يفطن له غيره . المعنى : فان قيل : هل كون عقولهم إذا كانوا أحياء ، وكيف يجوز أن يصل اليهم ثوابهم مع نقصان عقولهم ؟ قيل الثواب لم يصل اليهم على كنهه وانما يصل اليهم طرف منه . ومثلهم في ذلك مثل النائم على حال جميلة في روضة طيبة يصل اليهم طيب ريحها ولذيذ نسيمها على نحو ما جاء في الحديث من انه يفسح له مد بصره ، ويقال له نومة العروس . وأما الذين قتلوا في سبيل الله ، فعلى ما ذكرناه من الاختصاص بالفضيلة . فان قيل : كيف يجوز أن يكونوا أحياء - ونحن نرى جثتهم على خلاف ما كانت عليه في الدنيا . ؟ قيل : إن النعيم انما يصل الى الروح وهي الحية ، وهي الانسان ، دون الجثة - والجثة كالجنة واللباس لصيانة الأرواح . ومن زعم ان الانسان هذه الجملة المعروفة وجعل الجثة جزء منها فانه يقول : يلطف أجزاء من الانسان توصل اليه النعيم ، وإن لم يكن الانسان بكماله على نحو ما ذكرنا أن النعيم لا يصل اليه نفسه .