Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 155-155)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الخطاب بهذه الآية متوجه الى اصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) - على قول عطاء ، والربيع وابي علي ، والرماني ، ولو قيل : أنه خطاب لجميع الخلق ، لكان ايضاً صحيحاً ، لان ذلك جاز في جميعهم . اللغة : والابتلاء في الاصل : الطلب لظهور ما عند القادرعلى الأمر من خير أوشر . والابتلاء ، والاختبار ، والامتحان ، بمعنى واحد ، والابتلاء بهذه الامور المذكورة في الآية بأمور مختلفة . فالخوف هو انزعاج النفس لما يتوقع من الضرر ، وكان ذلك لقصد المشركين لهم بالعداوة . والجوع كان لفقرهم وتشاغلهم بالجهاد في سبيل الله عن المعاش . ونقص الأموال للانقطاع بالجهاد عن العمارة . والأنفس بالقتل في الحرب مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . والجوع ضد الشبع . يقال جاع يجوع جوعاً ، وأجاعه إجاعة ، وجوّعه تجويعاً ، وتجوّع تجوّعاً . قال صاحب العين : الجوع اسم جامع للمخمصة ، والمجاعة : عام فيه جوع . والنقص نقيض الزيادة . قال صاحب العين : النقص الخسران في الحظ . تقول نقص نقصاً ، وانتقص انتقاصاً ، وتناقص تناقصاً ، ونقصه تنقيصاً ، واستنقص استنقاصاً ، وتنقصه تنقصاً . والنقصان يكون مصدراً أو إسماً ، كقولك : نقصانه كذا : أي قدر الذاهب . ونقص الشيء ، ونقصته ، ودخل عليه نقص : في عقله ودينه . ولا يقال : نقصان . والنقيصة : الوقيعة في الناس . والنقيصة انتقاص حق ذي الرحم . وتنقصه تنقصاً : اذا تناول عرضه . واصل الباب النقص الحط من التمام . والمال معروف . وأموال العرب أنعامهم . ورجل مال : أي ذو مال . ونال : أي ذو نوال . وتقول : تمول الرجل ، ومول غيره . واصل الباب المال المعروف . والثمرة : أفضل ما تحمله الشجرة . المعنى : ووجه المصلحة في ذلك هو ما في ذلك من الامور المزعجة الى الاستدلال والنظر في الادلة الدالة على النبوة ، وليعلم ايضاً انه ليس فيما يصيب الانسان من شدة في الدنيا ما يوجب نقصان منزلته . ففي ذلك ضروب العبرة . فان قيل إذا كان الله قد فعل الابتلاء بهذه الاشياء ، والمشركون أوقعوها بالمؤمنين ففي ذلك إيجاب فعل من فاعلين . قلنا : لا يجب ذلك ، لان الذي يفعله الله تعالى غير الذي يفعله المشركون ، لأن علينا ان نرضى بما فعله الله ونسخط مما فعله المشركون ، وليس يقدرون على شيء مما ذكر في الآية ، ولكنهم يقدورن على التعريض له بما هو محرم عليهم ، وقبيح منهم . الاعراب : وفتحت الواو في لنبلونكم لامرين : احدهما - للعلة التي فتحت الراء في لننصرنكم وهو أنه بني على الفتحة ، لانها أخف إذ استحق البناء على الحركة كما استحق ( يا ) في النداء حكم البناء على الحركة . الثاني - أنه فتح لالتقاء الساكنين إذ كان قبل معتلا لا يدخله الرفع . المعنى : وانما قال : { بشيء } من الخوف ولم يقل : باشياء لامرين : احدهما - لئلا توهم بأشياء من كل واحد ، فيدل على ضروب الخوف ، ويكون الجمع كجمع الاجناس للاختلاف ، فقدر : شيء من كذا ، وشيء من كذا ، وأغنى المذكور عن المحذوف . والثاني - أنه وضع الواحد في موضع الجمع للابهام الذي فيه كـ { من } . والابتلاء بما ذكر لا بد ان يكون فيه لطف في الدين ، وعوض في مقابلته ، ولا يحسن فعل ذلك لمجرد العوض - على ما ذهب اليه قوم - . فان قيل : الابتلاء بأمر القبلة وغيره من عبادات الشرع هل يجري مجرى الألم - عند المصيبة ؟ قلنا : لا ، بلا خلاف ها هنا ، فانه لابد ان يكون فيه لطف في الدين فان كان فيه خلاف في الألم ، لأن هذه طاعات يستحق بها الثواب . وبالاخلال بها - إذا كانت واجبة - يستحق العقاب ، فلا يجري مجرى الألم المحض . والصبر واجب كوجوب العدل الذي لايجوز عليه الانقلاب - في الشرع - إذ الصبر حبس النفس عن القبيح من الأمر ، وقد بينا فيما مضى ابتلاء الله تعالى العالم بالعواقب ، فان المراد بذلك انه يعامل معاملة المبتلي ، لان العدل لا يصح إلا على ذلك ، لانه لو أخذهم بما يعلم أنه يكون منهم ، قبل ان يفعلوه ، لكان ظلماً وجوراً ، فبين الله بعد ، أنه يعاملهم بالحق دون الظلم . والوقوف على قوله : { وبشر الصابرين } حسن ، وقال بعضهم : لا يحسن . وذلك غلط ، من حيث كانت صفة مدح ، وعامل الصفة في المدح غير عامل الموصوف ، وإنما وجب ذلك ، لأن صفة صابر صفة كصفة تقي ، كما قال الله تعالى : { إن الله مع الصابرين } والجوع : الحاجة إلى الغداء ، وتختلف مراتبه في القوة والضعف . وقد يقال : جوع كاذب ، لأنه يتخيل به الحاجة إلى الغذاء لبعض الامور العارضة من غير حقيقة . وقوله تعالى : { وبشر الصابرين } فالتبشير في الاصل هو الاخبار بما يسرّ ، أو نعمة ، يتغير له الشره ، غير انه كثر استعماله فيما يسرّ . والصبر المحمود هو حبس النفس عما قبح من الامر .