Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 171-171)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المعنى : التشبيه في هذه الآية يحتمل ثلاثة أوجه من التأويل : أحدها - وهو أحسنها وأقربها الى الفهم ، وأكثرها في باب الفائدة - ما قاله أكثر المفسرين كابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، والربيع ، واختاره الزجاج ، والفراء ، والطبري ، والجبائي ، والرماني . وهو المروي عن أبي جعفر ( ع ) إن مثل الذين كفروا في دعائك إياهم ، { كمثل الذي ينعق } أي الناعق في دعائه . المنعوق به من البهائم التي لا تفهم كالابل ، والبقر ، والغنم ، لأنها لا تعقل ما يقال لها ، وانما تسمع الصوت . والحذف فى مثل هذا حسن . كقولك لمن هو سيء الفهم : أنت كالحمار ، وزيد كالأسد : أي في الشجاعة ، لأن المعنى في أحد الشيئين أظهر ، فيشبه بالآخر ليظهر بظهوره ، وهذا باب حسن البيان . الثاني - حكاه البلخي ، وغيره : إن مثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم من الاوثان كمثل الناعق في دعائه ما لا يسمع ، بتعالى ، وما جرى مجراه من الكلام ، وذلك أنّ البهائم لا تفهم الكلام ، وإن سمعت النداء ، والدعاء ، وأقصى أحوال الأصنام أن تكون كالبهائم في أنها لا تفهم ، فاذا كان لا يشكل عليهم أن من دعا البهائم بما ذكرناه جاهل ، فهم في دعائهم الحجارة أولى بالجهل وصفة الذم . الثالث - قال ابن زيد : إن مثل الذين كفروا في دعائهم آلتهم كمثل الناعق في دعائه الصدى في الجبل ، وما أشبهه ، لأنه لا يسمع منه إلا دعاء ونداء ، لأنه اذا قال : يا زيد ، سمع من الصدى يا زيد ، فيتخيل اليه أن مجيباً أجابه ، وليس هناك شيء ، فيقول : يا زيد ، وليس فيه فائدة ، فكذلك يخيل الى المشركين أن دعاءهم للاصنام يستجاب ، وليس لذلك حقيقة ، ولا فائدة . وإنما رجحنا الوجه الأول ، لما بيناه من حسن الكلام ، ولانه مطابق للسبب الذي قيل : إنها نزلت في اليهود ، فانهم لم يكونوا يعبدون الاصنام ، ولا يليق بهم الوجه الثاني ، فاذا ثبت ذلك ، ففيه ثلاثة أوجه من الحذف : أولها - { ومثل الذين كفروا } في دعائك لهم كمثل الناعق في دعائه المنعوق به . والثاني - { ومثل الذين كفروا } في دعائهم الاوثان كمثل الناعق في دعائه الأنعام . الثالث - مثل وعظ الذين كفروا كمثل نعق الناعق بما لا يسمع ، وهذا من باب حذف المضاف ، وإقامة المضاف اليه مقامه كقول الشاعر : @ وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي على وعل في ذي المطارة عاقل @@ والتقدير على مخافة وعل . فان قيل : كيف قوبل الذين كفروا - وهم المنعوق به - بالناعق ، ولما تقابل المنعوق به بالمنعوق به - في ترتيب الكلام - أو الناعق بالناعق ؟ قيل للدلالة على تضمين الكلام تشبيه اثنين باثنين : الداعي للايمان للمدعو من الكفار بالداعي الى المراد للمدعوّ من الانعام ، فلما أريد الايجاز أبقي ما يدل على ما ألقي ، فأبقي في الأول ذكر المدعو ، وفي الثاني ذكر الداعي ، ولو رتب على ما قال السائل ، لبطل هذا المعنى . وزعم أبو عبيدة ، والفراء : أنه يجري مجرى المقلوب الذي يوضع فيه كلمة مكان كلمة ، كأنه وضع الناعق مكان المنعوق به ، وأنشد : @ كانت فريضة ما تقول كما كان الزناء فريضة الرجم @@ كما كان الرجم فريضة الزناء ، وكما يقال : أدخلت القلنسوة في رأسي ، وإنما هو أدخلت رأسي في القلنسوة قال الشاعر : @ إنّ سراجا لكريم مفخره تحلى به العين اذا ما تجهره @@ والمعنى يحلى بالعين ، فجعله تحلى به العين . والاقوى أن يكون الأمر على ما بيناه من المعنى الذي دعا الى الخلاف في الحذف ، ليدل بما بقي على ما ألقي . اللغة : قال صاحب العين : نعق الراعي بالغنم ينعق نعيقاً اذا صاح بها زجراً ، ونعق الغراب نعاقاً ، ونعيقاً اذا صاح . والناعقان : كوكبان من كواكب الجوزاء : رجلها اليسرى ومنكبها الأيمن ، وهو الذي يسمى الهنعة ، وهما أضوء كوكبين في الجوزاء . وأصل الباب الصياح ، والنداء : مصدر نادى مناداة ، ونداء ، وتنادوا تنادياً ، وندى تندية ، وتندى تندّياً . والنداء ، والدعاء ، والسوآل نظائر ، قال صاحب العين : الندى له وجوه من المعنى : ندى الماء ، وندى الخير ، وندى الشر ، وندى الصوت ، وندى الخصر . فأما ندى الماء , فمنه ندى المطر ، أصابه ندى من طلّ ، ويوم ندى ، فأرض ندية . والمصدر منه الندوة ، والندى ما أصابه من البلل ، وندى الخير هو المعروف ، تقول : أندى علينا فلان ندى كثيراً ، وإن يده لندية بالمعروف ، وندى الصوت : بعد مذهبه ، وندى الخصر : صحة جريه ، واشتق النداء في الصوت من ندى ناداه أي دعاه بأرفع صوته : ناداه به . والندوة الاجتماع في النادي ، وهو المجلس ، ندى القوم يندون ندواً اذا اجتمعوا ، ومنه دار الندوة ، وأصل الباب الندى : البلل ، وندى الجود كندى الغيث . المعنى : ومعنى { صم بكم عمي فهم لا يعقلون } أي صم عن إستماع الحجة ، بكم عن التكلم بها ، عمي عن الابصار لها ، وهو قول ابن عباس وقتادة والسدي . والاعمى : من في بصره آفة تمنعه من الرؤية . والاصم : من كان في آلة سمعه آفة تمنعه من السمع . والابكم : من كان في لسانه آفة تمنعه من الكلام . وقيل : إنه يولد كذلك ، والخرس قد يكون لعرض يتجدد . وأجاز الفراء النصب في { صم } على الذم ، والاجود الرفع على ما عليه القراء ، وتقديره هم صم . وفيها دلالة على بطلان قول من زعم : أنهم لا يستطيعون سمعاً على الحقيقة ، لأنه لا خلاف أنهم لم يكونوا صماً لم يسمعوا الاصوات ، وانما هو كما قال الشاعر : @ أصمّ عما ساءه سميع @@ وفيها دلالة على بطلان قول من قال : إن المعرفة ضرورة ، لأنهم لو كانوا عالمين ضرورة لما استحقوا هذه الصفة . وقال عطا : نزلت هذه الآية في اليهود ، ومعنى ينعق يصوت قال الأخطل : @ فانعق بضأنك يا جرير فانما منّتك نفسك في الخلاء ضلالا @@ والدعاء : طلب الفعل من المدعو ، والأولى أن يعتبر فيه الرتبة ، وهو أن يكون فوق الداعي . والسمع : إدراك الصوت . والمثل : قول سائر يدل على أن سبيل الثاني سبيل الاول .