Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 172-172)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المعنى : هذا الخطاب يتوجه إلى جميع المؤمنين ، وقد بينا أن المؤمن هو المصدق بما وجب عليه ، ، ويدخل فيه الفساق بأفعال الجوارح ، وغيرها ، لأن الايمان لا ينفي الفسق - عندنا - . وعند المعتزلة : إنه خطاب لمجتنبي الكبائر ، وإنما يدخل فيه الفساق على طريق التبع ، والتغليب ، كما يغلب المذكر على المؤنث في قولك : الاماء والعبيد جاوزني ، وقد بينا فيما تقدم أن أفعال الجوارح لا تسمى إيماناً - عند أكثر المرجئة وأكثر أصحابنا - وإن بعضهم يسمي ذلك إيماناً ، لما رووه عن الرضا ( ع ) . وإيمان مأخوذ من أمان العقاب - عند من قال : إنه تناول مجتنبي الكبائر - وعند الآخرين من أمان الخطأ ، في الاعتقاد الواجب عليه . وفي المخالفين من يجعل الطاعات الواجبات ، والنوافل من الايمان . وفيهم من يجعل الواجبات فقط إيماناً ، ويسمي النوافل إيماناً مجازا . وقوله { كلوا } ظاهره ظاهر الأمر ، والمراد به الاباحة ، والتخيير ، لأن الأكل ليس بواجب إلا أنه متى أراد الأكل ، فلا يجوز أن يأكل إلا من الحلال الطيب ، ومتى كان الوقت وقت الحاجة فانه محمول على ظاهره في باب الأمر : سواء قلنا : إنه يقتضي الايجاب أو الندب . وفي الآية دلالة على النهي عن أكل الخبيث - في قول البلخي ، وغيره - كأنه قيل : كلوا من الطيب دون الخبيث ، كما لو قال : كلوا من الحلال ، لكان ذلك دالاً على حظر الحرام - وهذا صحيح فيما له ضدّ قبيح مفهوم . فأمّا غير ذلك ، فلا يدل على قبح ضدّه ، لأن قول القائل ، كل من زيد ، لا يدل على أن المراد تحريم ما عداه ، لأنه قد يكون الغرض البيان لهذا خاصه ، والآخر موقوف على بيان آخر ، وليس كذلك ما ضده قبيح ، لأنه قد يكون من البيان تقبيح ضده . والطيبات قدمنا معناها فيما تقدم ، وأن المراد بذلك الخالص من شائب ينغص ، وإن كان لا يخلو شيء من شائب ، لكنه لا يعتد به في الوصف بأنه حلال طيب ، ولو كان في الطعام ما ينغصه لجاز وصفه بأنه ليس بطيب . والرزق قد بينا فيما مضى : أنه ما للحي الانتفاع به على وجه لا يكون لأحد منعه منه . وقوله : { واشكروا لله } فالشكر : هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم ، ويكون ذلك عن وجهين : أحدهما - الاعتراف بالنعمة - متى ذكرها - للمنعم بالاعتقاد لها . الثاني - الطاعة بحسب جلالة النعمة ، فالأول لازم في كل حال من أحوال الذكر ، والثاني إنما يلزم في الحال التي يحتاج فيها الى القيام بالحق ، واقتضى ذكر الشكر ها هنا ما تقدم ذكره من الانعام في جعل الطيب من الرزق ، للانتفاع ، واستدفاع المضار ، وذكر الشرط ها هنا إنما هو وجه المظاهرة في الحجاج ولما فيه من حسن البيان دون أن يكون ذلك شرطاً في وجوب الشكر ، وتلخيص الكلام إن كانت العبادة لله واجبة عليكم بأنه إلهكم ، فالشكر له واجب عليكم بأنه محسن اليكم . وأما العبادة ، فهي ضرب من الشكر ، لأنها غاية ليس وارءها شكر ، ويقترن به ضرب من الخضوع . ولا يستحق العبادة إلا الله ، لأنها تستحق باصول النعم من الحياة ، والقدرة ، والشهوة ، والنفاد ، وأنواع المنافع ، وبقدر من النفع لا يواريه نعمة منعم ، فلذلك اختص الله تعالى باستحقاقها .