Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 174-174)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المعنى : المعني بهذه الآية أهل الكتاب باجماع المفسرين إلا أنها متوجهة - على قول كثير منهم - الى جماعة قليلة منهم ، وهو علماؤهم الذين يجوز على مثلهم كتمان ما علموه ، فأما الجمع الكثير منهم الذين لا يجوز على مثلهم ذلك لاختلاف دواعيهم ، فلا يجوز . والذي كتموه قيل فيه قولان : قال أكثر المفسرين : إنهم كتموا أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأن حرفوه عن وجهه في التأويل ، هذا اذا حمل على الجماعة الكثيرة . وإن حمل على القليلة منهم ، يجوز أن يكونوا كتموا نفس التنزيل ايضاً . الثاني - قال الحسن : كتموا الأحكام ، وأخذوا الرشا على الأحكام ، والكتاب على القول الأول : هو التوراة ، وعلى الثاني يجوز أن يحمل على القرآن وسائر الكتب . وقوله : { ويشترون به ثمناً قليلاً } ليس المراد به أنهم اذا اشتروا به ثمناً كثيراً كان جائزاً . وإنما المقصد كلما يأخذونه في مقابلته من حطام الدنيا ، فهو قليل ، كما قال { ويقتلون النبيين بغير حق } وكما قال { ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به } وانما أراد أن قتل النبيين لا يكون إلا بغير حق ، وإن من ادعى مع الله إلها آخر لا يقوم له عليه برهان . وكما قال الشاعر : @ على لا حب لا يهتدى بمناره @@ والمعنى لا لا حب هناك ، فيهتدى به ، لأنه لو كان ، لاهتدي به . وقوله تعالى { ما يأكلون في بطونهم إلا النار } معناه على قول الربيع ، والحسن ، والجبائي ، وأكثر المفسرين : الأجر الذي أخذوه على الكتمان ، سمي بذلك ، لأنه يؤديهم الى النار ، كما قال في أكل مال اليتيم ظلماً { إنما يأكلون في بطونهم ناراً } وقال بعضهم : إنما يأكلون في جهنم ناراً جزاء على تلك الاعمال ، والأول أحسن . فان قيل اذا كان الأكل لا يكون إلا في البطن ، فما معنى قوله { في بطونهم } ؟ قلنا عنه جوابان : أحدهما - ان العرب تقول : جعت في غير بطنى وشبعت في غير بطني ، اذا جاع من يجري جوعه مجرى جوع نفسه ، فذكر ذلك لأزالة اللبس . والثاني - انه لما استعمل المجاز بالاجراء على الرشوة اسم النار ، حقق بذكر البطن ، ليدل علي أن النار تدخل أجوافهم . اللغة : والبطن : خلاف الظهر . والبطن : الغامض من الارض . والبطن من العرب : دون القبيلة . وعرفت هذا الأمر ظاهره ، وباطنه أي سرَّه وعلانيته . ورجل بطين : عظيم البطن . ومبَّطن : خميض البطن . وفلان بطانتي دون إخواني . أي الذي أبطنه أمري . واستبطنت أمر فلان : إذا وقفت على دخلته . ويقال في المثل : البطنة تذهب الفطنة ، وبطن الشيء بطوناً اذا غمض . والبطان حزام الرّحل . والبطين : نجم وهو بطن الحمل . وأصل الباب البطون : خلاف الظهور . المعنى : وقوله تعالى : { ولا يكلمهم } قيل في معناه قولان : أحدهما - لا يكلمهم بما يحبون ، وإنما هو دليل على الغضب عليهم ، وليس فيه دليل على أنه لا يكلمهم بما يسوءهم ، لأنه قد دّل في موضع آخر ، فقال { فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين } وقال { ربّنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسئوا فيها ولا تكلمون } وهذا قول الحسن ، وواصل ، وأبي علي . الثاني - لا يكلمهم أصلا ، فتحمل آيات المسائلة على أن الملائكة تسألهم بأمر الله ويتأول قوله { اخسئوا فيها ولا تكلمون } على أن الحال دالة على ذلك . وإنما دلّ نفي الكلام على الغضب - على الوجه الاول - من حيث أن الكلام وضع في الأصل للفائدة ، فلما انتفى على جهة الحرمان للفائدة ، دلّ على الغضب ، ولا يدخل في ذلك الكلام للغم والايلام . وقوله : " ولا يزكيهم " معناه لا يبني عليهم ، ولا يصفهم بأنهم أزكياء . ويحتمل أن يكون المراد لا يتقبل أعمالهم تقبل أعمال الازكياء . والاشتراء هو الاستبدال بالثمن العوض ، فلما كانوا هؤلاء استبدلوا بذنبهم الثمن القليل ، قيل فيهم : إنهم اشتروا به ثمناً قليلا . والثمن هو العوض من العين ، والورق والقلة هو نقصان المقدار عن مقدار غيره ، لانه يقال : هو قليل بالاضافة الى ما هو أكثر منه ، وكثير بالاضافة الى ما هو أقل منه . والكلام ما انتظم من حرفين فصاعداً من هذه الحروف المعقولة : إذا وقع ممن يصح منه أو من قبيلة للافادة وقال الرماني : الكلام ما كان من الحروف دالاّ بتأليفه على معنى ، قال وأصله من الآثار وهي كالعلامات الدالة ، والكلم أي الجراح . وما ذكرناه أولى ، لأن هذا ينتقض بالمهمل من الكلام ، فانه لا يفيد وهو كلام حقيقة .