Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 175-175)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المعنى : معنى { اشتروا الضلالة بالهدى } استبدلوا ، لأن أصل الشراء الاستبدال ، وليس يقع في مثله إشكال ، فأما قولهم : استبدل بالجارية غيرها ، فلا يجوز أن يقال بدلاً منه : اشترى ، لأنه يلتبس . والضلالة التي اشتروها بالهدى : كفرهم بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وجحدهم لنبوته استبدلوه بالايمان به ، وهم وإن لم يقصدوا أن يضلوا بدلا من أن يهتدوا فقد قصدوا الكفر بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بدلا من الايمان به ، وذلك ضلال بدلا من هدى ، فقد قصدوا الضلال بدلا من الهدى ، وإن لم يقصدوه من وجه أنه ضلال . ولا يجوز أن يقول : قصدوا أن يضلوا . لأنه يوهم أنهم قصدوه من هذا الوجه ، كما ينبىء علموا أنهم يضلون غير أنهم علموه من هذا الوجه ، ويجوز قصدوا الضلال ، وعلموا الضلال ، لأنه لا ينبىء على هذا الوجه وإنما علموه ، وقصدوه من وجه آخر ، وهو جحدهم محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) بدلا من التصديق به . وقوله تعالى { فما أصبرهم على النار } الفاء معناها معنى الجواب ، لأن الكلام المتقدم قد تضمن معنى من كان بهذه الصفة ، { فما أصبرهم على النار } فعومل معاملة المعنى الذي تضمنه حتى كأنه قد لفظ به . والعجب لا يجوز على القديم تعالى ، لأنه عالم بجميع الأشياء ، لا يخفى عليه شيء . والتعجب يكون مما لا يعرف سببه . وإنما الغرض - من الآية - أن يدلنا على أن الكفار حلو محل من يتعجب منه ، فهو تعجيب لنا منهم . وقد قيل في معنا { ما } في قوله { فما أصبرهم على النار } قولان : أحدهما - قال الحسن ، وقتادة ، ومجاهد : إنها للتعجب . والثاني - قال ابن عباس ، وابن جريج ، وابن زيد والسدي : إنها للأستفهام . وقيل في معنا { أصبرهم } أربعة أقوال : أحدها - ما أجرأهم على النار ، ذهب اليه الحسن وقتادة . والثاني - قال مجاهد : ما أعملهم بأعمال أهل النار . وهو المروي عن أبي عبدالله ( ع ) . والثالث - حكاه الزجاج : ما أبقاهم على النار ، كما تقول : ما أصبره على الحبس . والرابع - ذكره الفراء : ما صبرهم على النار أي حبسهم عليها . وقال الكسائي : هو استفهام على وجه التعجب . قال أبوالعباس : المبرد : هذا حسن كأنه توبيخ لهم وتعجيب لنا ، مثل قولك للذي وقع في هلكة ما اضطرك الى هذا ، اذا كان غنياً عن التعرض للوقوع في مثلها . يقال : أصبرت السبع ، والرجل ، ونحوه اذا نصبته لما يكره . وقال الحطيئة : @ قلتُ لها أصبرُها جاهداً ويحك أمثال طريف قليل @@ معناه ألزمها ، واضطرها . فأما التعجب ، فمثل قوله { قتل الإنسان ما أكفره } أي قد حلّ محل ما يتعجب منه . وقيل : ما أصبرك على كذا بمعنى ما أجرأك قال أبوعبيدة : هي لغة يمانية . واشتق أصبر بمعنى أجرأ من الصبر الذي هو حبس النفس ، لأن بالجرءة يصبر على الشدة . فأما القول الآخر : فحبسوا أنفسهم على عمل أهل النار ، بدوامهم عليه ، وانهماكهم فيه . وحكى الكسائي عن قاضي اليمن عن بعض العرب ، قال لخصمه : ما أصبرك على الله أي على عذاب الله تعالى .