Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 184-184)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القراءة : قرأ ابن عامر , ونافع { فدية طعام مساكين } على إضافة الفدية وجمع المساكين . الباقون { فدية } منون { طعام مسكين } على التوحيد . والقراءتان متقاربتا المعنى ، لأن المعنى لكل يوم يفطر طعام مسكين . والقراءتان يفيدان ذلك . الاعراب : قوله تعالى : { أياماً معدودات } منصوب بأحد شيئين : أحدهما - على الظرف ، كأنه قيل : الصيام في أيام معدودات . وهو الذي اختاره الزجاج . الثاني - أن يكون قد عدي الصيام إليه كقولك : اليوم صمته . وقال الفراء : هو مفعول ما لم يسمى فاعله كقولك : أعطي زيد المال . وخالفه الزجاج ، قال ، لأنه لا يجوز رفع الأيام ، كما لا يجوز رفع المال . وإذا كان المفروض في الحقيقة هو الصيام دون الأيام ، فلا يجوز ما قاله الفراء إلا على سعة في الكلام . وقال عطا ، وقتادة : الأيام المعدودات كانت ثلاثة أيام من كل شهر ، ثم نسخ . وكذلك روي عن ابن عباس . وقال ابن أبي ليلى : المعني به شهر رمضان وإنما كان صيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعاً . وقوله تعالى : { فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر } ارتفع عدّة على الابتداء ، وتقديره فعليه عدة من أيام أخر . وروي عن أبي جعفر ( ع ) أن شهر رمضان كان صومه واجباً على نبي دون أمته . وإنما أوجب على أمة نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فحسب . وإنما قال { أخر } ولا يوصف بهذا الوصف إلا جمع المؤنث التي كل واحدة أنثى - والأيام جمع يوم وهو مذكر - حملا له على لفظ الجمع ، لأن الجمع يؤنث كما يقال جائت الأيام ومضت الأيام . و " أخر " لا يصرف ، لأنه معدول عن الألف واللام ، لأن نظائرها من الصغر والكبر لا يستعمل إلا بالألف واللام ، لا يجوز نسوة صغر ، ويجوز في العربية " فعدة " على معنى ، فليعد عدة من أيام أخر بدلا مما أفطر . المعنى : وهذه الآية فيها دلالة على أن المسافر ، والمريض يجب عليهما الافطار ، لأنه تعالى أوجب عليهما القضاء مطلقاً ، وكل من أوجب القضاء بنفس السفر والمرض أوجب الافطار وداود أوجب القضاء ، وخيرّ في الافطار ، فان قدّروا في الآية فأفطر ، كان ذلك خلاف الآية ، وبوجوب الافطار في السفر قال عمر بن الخطاب ، وعبد الله ابن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو هريرة ، وعروة ابن الزبير ، وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ؛ وروى سعيد بن جبير عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس : قال : الافطار في السفر عزيمة . وروى يوسف ابن الحكم ، قال : سألت ابن عمر عن الصوم في السفر قال : أرأيت لو تصدقت على رجل بصدقة فردها عليك ألا تغضب ، فانها صدقة من الله تصدق بها عليكم ، وروى عبد الملك بن حميد قال قال أبو جعفر : كان أبي لا يصوم في السفر وينهى عنه ، وروي عن عمر ، أن رجلا صام في السفر ، فأمره أن يعيد صومه ، وروى عطا عن المحرز بن أبي هريرة قال : كنت مع أبي في سفر في شهر رمضان ، فكنت أصوم ويفطر ، فقال أبي أما أنك اذا أقمت قضيت ، وروى عاصم مولى قومه : أن رجلا صام في السفر فأمره عروة أن يقضي ، وروى الزهري عن أبى سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) " الصائم في السفر كالمفطر في الحضر " وروي عن معاذ أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قدم المدينة ، فكان يصوم عاشوراء ، وثلاثة أيام من كل شهر ثم نسخ ذلك بشهر رمضان في قوله : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام } واختار الطبري هذا الوجه قال ، لأنه لم ينقطع العذر برواية صحيحة أنه كان ها هنا صوم متعبد به فنسخه الله بشهر رمضان . اللغة : وأصل السفر الكشف تقول : سفر يسفر سفراً : اذا كشف . وأسفر لونه إسفاراً ، وانسفرت الابل : اذا انكشفت داهية انسفاراً . وسافر سفراً ، وسفرت الريح السحاب إذا قشعته قال العجاج : @ سفر الشمال الزّبرج المزبررجا @@ الزبرج السحاب الرقيق ، ومنه السفر ، لأنه يظهر به ما لم يكن ظهر ، وينكشف به ما لم يكن انكشف ، والسفرة طعام السفر ، وبه سميت الجلدة التي يحمل فيها الطعام سفرة ، والمسفرة : المكنسة ، والسفير الداخل بين اثنين للصلح ، والسفير : ورق الشجر إذا سقط ، وسفر فلان شعره اذا استأصله عن رأسه ، ومنه قوله تعالى : { وجوه يومئذ مسفرة } أي مشرقة مضيئة { والصبح إذا أسفر } اذا أضاء . والأسفار جمع سفر { بأيدي سفرة } أي كتبة . وقوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه } يقال : طاق يطوق طوقاً وطاقة وهي القوة ، وأطاقة إطاقة ايضاً إذا قوي عليه ، وطوّقه تطويقاً : ألبسه الطوق ، وهو معروف من ذهب كان أو فضة كأنه يكسيه قوة بما يعطيه من الجلالة ، وكل شيء استدار فهو طوق ، كطوق الرحا الذي يدير القطب مشبه بالطوق المعروف في الصورة ، وتطوقت الحية على عنقها : أي صارت كالطوق فيه ، والطاقة : شعبة من ريحان أو شعر ونحو ذلك ، والطاق : عقد البناء حيث ما كان ، والجمع الاطواق ، وذلك لقوته . وطوقه الأمر إذا جعله كالطوق في عنقه . المعنى : قال الحسن وأكثر أهل التأويل : إن هذا الحكم كان في المراضع ، والحوامل ، والشيخ الكبير ، فنسخ من الآية المراضع ، والحوامل وبقى الشيخ الكبير . وقال أبو عبدالله ( ع ) ذلك في الشيخ الكبير يطعم لكل يوم مسكيناً . منهم من قال : نصف صاع وهم أهل العراق . وقال الشافعي : مد عن كل يوم . وعندنا إن كان قادراً فمدان ، وإن لم يقدر إلا على مد أجراه . وقال السدي : لم ينسخ ، وإنما المعنى وعلى الذين كانوا يطيقونه . وقوله تعالى : { فمن تطوع خيراً } يعني أطعم أكثر من مسكين في قول ابن عباس ، وعمل برّا في جميع الدين في قول الحسن ، وهو أعم فائدة . ومنهم من قال : من جمع بين الصوم ، والصدقة ذهب إليه ابن شهاب . والهاء في قوله يطيقونه - عند أكثر أهل العلم - عائدة على الصوم ، وهو الأقوى ، وقال قوم : عائدة على الفداء ، لأنه معلوم وإن لم يجر له ذكر . والمعني بقوله " الذين يطيقونه " قيل فيه ثلاثة أقوال : أولها - أنه سائر الناس من شاء صام ، ومن شاء أفطر وافتدى لكل يوم إطعام مسكين حتى نسخ ذلك - في قول ابن عباس ، والشعبي . الثاني - قال الحسن وعطا : إنه في الحامل ، والمرضع ، والشيخ الكبير ، فنسخ من الآية الحامل ، والمرضع ، وبقى الشيخ الكبير . وقال السدي : إنه فيمن كان يطيقه إذا صار الى حال العجز عنه . { ومن } في قوله : { فمن تطوع } الظاهر ، والأليق أنها للجزاء . ويحتمل أن تكون بمعنى الذي . وما روي في الشواذ من قراءة من قرأ { يطوقونه } قيل فيه قولان : أحدهما - يكلفونه على مشقة فيه ، وهم لا يطيقونه لصعوبته . الثاني - أن يكون معناه يلزمونه ، وهم الذين يطيقونه ، فيؤول الى معنى واحد . ومن قرأ " فدية طعام مساكين " على إضافة الفدية ، وجمع المساكين : عن ابن عامر ونافع ، فان معنى قراءته تؤول الى قراءة من ينّون { فدية طعام مسكين } ، لأن المعنى : لكل يوم يفطر طعام مسكين . والأول يفيد هذا ايضاً ، لأنه إذا قيل : إطعام مساكين للأيام بمعنى لكل يوم مسكين ، صار المعنى واحداً . وفي الآية دلالة على بطلان قول المجبرة : إن القدرة مع الفعل ، لأنه لو كانت الاستطاعة مع الفعل الذي هو الصيام ، لسقطت عنه الفدية - لأن إذا صام لم يجب عليه فدية . وقوله : { وإن تصوموا خير لكم } رفع ( خير ) ، لأنه خبر المبتدأ . وتقديره وصومكم خير لكم ، كأن هذا مع جواز الفدية ، فأما بعد النسخ ، فلا يجوز أن يقال : الصوم خير من الفدية مع أن الافطار لا يجوز أصلا .