Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 185-185)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القراءة : قرأ أبو بكر عن عاصم { ولتكملوا } بتشديد الميم . الباقون بتخفيفها . قال أبو العباس : أكملت وكمّلت بمعنى واحد إلا أن في التشديد مبالغة . ومن قرأ بالتخفيف فلقوله { اليوم أكملت لكم دينكم } اللغة : الشهر : معروف ، وجمعه : الأشهر . والشهور والشهرة : ظهور الأمر في شنعة . وشهرت الحديث أظهرته . وشهر فلان سيفه : اذا انتضاه . والمشهر : الذي أتى عليه شهر . وأشهرت المرأة : اذا دخلت في شهر ولادتها . وأتان شهيرة : أي عريضة ضخمة . والمشاهرة : المعاملة شهراً بشهر . وسمى الشهر شهراً ، لاشتهاره بالهلال . فأصل الباب الظهور . وقال ابن دريد : الرمض : شدة وقع الشمس على الرمل وغيره ، والأرض رمضاء . ورمض يومنا رمضاً : اذا اشتد حرّه . ورمضان من هذا اشتقاقه ، لأنهم سمّوا الشهور بالازمنة التي فيها ، فوافق رمضان أيام رمض الحر ، وقد جمعوا رمضان ، رمضانات . قال صاحب العين : والرمض حرقة غيظ تقول : أرمضني هذا الأمر ، ورمضت له . والرمض : مطر يكون قبل الخريف . وأصل الباب شدة الحر . الاعراب : وشهر رمضان رفع لأحد ثلاثة أشياء : أولها - أن يكون خبر ابتداء محذوف يدل عليه { أياماً معدودات } وتقديره هي شهر رمضان . الثاني - على ما لم يُسم فاعله ، ويكون بدلا من الصيام ، وتقديره { كتب عليكم الصيام } { شهر رمضان } . الثالث - أن يكون مبتدأ وخبره { الذي أنزل فيه القرآن } ويجوز في العربية شهر رمضان بالنصب من وجهين : أحدهما - صوموا شهر رمضان . والآخر - على البدل من أيام . المعنى : وقوله { أنزل فيه القرآن } قيل في معناه قولان : أحدهما - قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والحسن : إن الله تعالى أنزل جميع القرآن في ليلة القدر إلى السماء الدنيا ، ثم أنزل على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد ذلك نجوماً . وهو المروي عن أبي عبدالله ( ع ) . والثاني - أنه ابتداء إنزاله في ليلة القدر من شهر رمضان . فان قيل كيف يجوز أنزاله كله في ليلة ، وفيه الاخبار عما كان ، ولا يصلح ذلك قبل أن يكون ؟ قلنا : يجوز ذلك في مثل قوله : { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة } وقوله : { لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين } على اذا كان وقت كذا أنزل { لقد نصركم الله } كما قال تعالى { ونادى أصحاب الجنة } أي إذا كان يوم القيامة { نادى أصحاب الجنة أصحاب النار } . الاعراب : وقوله تعالى : { هدى للناس } موضعه نصب على الحال ، كأنه قال : أنزل فيه القرآن هادياً للناس . ولا يحتمل سواه ، لقوله { وبينات من الهدى } . اللغة : والقرآن إشتقاقه قرأ يقرأ قراءة ، وأقرأه إقراء وقال صاحب العين : رجل قارء : أي عابد ناسك ، وفعله التقري والقراءة ، وأقرأت المرأة : اذا حاضت . وقرأت الناقة : اذا حملت . والفرأ : الحيض ، وقد جاء بمعنى الطهر . وأصل الباب الجمع ، لقولهم . ما قرأت الناقة سلا قط : أي ما جمعت رحمها على سلا قط . وفلان قرأ ، لأنه جمع الحروف بعضها الى بعض . والفرء الحيض ، لاجتماع الدم في ذلك الوقت . والفرقان : هو الذي يفرق بين الحق ، والباطل . والمراد به القرآن ها هنا . المعنى : وقوله : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } قيل في معناه قولان : أحدهما - من شاهد منكم الشهر مقيما . والثاني - من شهده بان حضره ، ولم يغب ، لانه يقال : شاهد : بمعنى حاضر وشاهد : بمعنى مشاهد . وروي عن ابن عباس ، وعبيدة السلماني ، ومجاهد , وجماعة من المفسرين ، ورووه عن علي ( ع ) أنهم قالوا : من شهد الشر بأن دخل عليه الشهر ، كره له أن يسافر حتى يمضي ثلاث وعشرون من الشهر إلا أن يكون واجباً كالحج ، أو تطوعاً كالزيارة ، فان لم يفعل ، وخرج قبل ذلك كان عليه الافطار ، ولم يجزه الصوم . وقوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } ناسخ الفدية - على قول من قال بالتخيير - وناسخ للفدية ايضاً في المراضع والحوامل - عند من ذهب اليه - وبقي الشيخ الكبير ، له أن يطعم ، ولم ينسخ . وعندنا أن المرضعة والحامل اذا خافا على ولدهما أفطرتا وكفرّتا ، وكان عليهما القضاء فيما بعد اذا زال العذر . وبه قال جماعة من المفسرين ، كالطبري وغيره . وقوله : { ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر } قد بينا أنه يدلّ على وجوب الافطار - في السفر - لأنه أوجب القضاء بنفس السفر ، والمرض . وكل من قال ذلك أوجب الافطار . ومن قدر في الآية أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر ، زاد في الظاهر ما ليس فيه . فان قيل : هذا كقوله { فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام } ومعناه فحلق . قلنا : إنما قدرنا هناك فحلق للاجماع على ذلك ، وليس ها هنا إجماع ، فيجب أن لا يترك الظاهر ، ولا يزاد فيه ما ليس فيه . اللغة : وقوله تعالى : { يريد الله بكم اليسر } قال صاحب العين : الارادة : أصلها الواو ، لأنك تقول : راودته على أن يفعل كذا وكذا ، مراودة . ومنه راد ، يرود ، رواداً ، فهو رايد بمعنى الطالب شيئاً . ويقال أرود فلان إرواداً : إذا رفق في مشي أو غيره . ومنه رويداً فلاناً : أي امهله يتفسح منصرفاً . ومنه ارتاد ارتياداً كقولك : طلب طلباً ، والرود : الميل . وفي المثل ( الرائد لا يكذب أهله ) أي الطالب صلاحهم لا يكذبهم ، لأنه لو كذبهم غشهم . وأصل الباب الطلب . والارادة بمنزلة الطلب للمراد ، لأنها كالسبب له . واليسر ضد العسر . يقال : أيسر إيساراً ، ويسره تيسيراً ، وتيسر تيسراً ، وتياسر تياسراً ، واستيسر استيساراً . واليسار : اليد اليسرى . واليسار : الغنى ، والسعة . واليسر : الجماعة الذين يجتمعون على الجزور في الميسر ، والجمع : الايسار . وفرس حسن التيسور : اذا كان حسن السمن . وأصل الباب السهولة . والعسر ضد اليسر . وعسر الشيء عسراً . ورجل عسر بّين العسر . ورجل أعسر : يعمل بشماله . وأعسر الرجل إعساراً : اذا افتقر . والعسير الناقة التي اعتاصت فلم تحمل من سنتها . وبعير عسران اذا رُكب قبل أن يُراض . وأصل الباب الصعوبة . وقوله تعالى : { ولتكملوا العدة } يقال : كمل يكمل كمالا ، وأكمل إكمالا ، وتكامل تكاملا ، وكمله تكميلا ، واستكمل استكمالا ، وتكمل تكملا . وأصل الباب الكمال ، وهو التمام . الاعراب : وعطف باللام في قوله تعالى : { ولتكملوا العدة } على أحد أمرين : أحدهما - عطف جملة على جملة ، لأن بعده محذوفاً ، كأنه قال : ولتكملوا العدة شرع ذلك أو أريد . ومثله قوله تعالى : { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين } أي أريناه . هذا قول الفراء . الثاني - أن يكون عطفاً على تأويل محذوف دلّ عليه ما تقدم من الكلام ، لأنه لما قال : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } دلّ على أنه فعل ذلك ليسهل عليكم ، فجاز { ولتكملوا العدة } عطفاً عليه . قال الشاعر : @ يارب غيرّ آيهن مع البلى إلا رواكد جمرهنّ هباء ومشجج أمّا سواء قذاله فبدوا وغيّب ساره المعزاءَُ @@ فعطف على تأويل الكلام الأول كأنه قال : بها رواكد ، ومشجج . وهذا قول الزجاج وهو الأجود ، لأن العطف يعتمد على ما قبله ، لاعلى ما بعده . وعطف الظرف على الاسم في قوله : { ومن كان مريضاً أو على سفر } جائز ، لأنه معنى الاسم ، وتقديره أو مسافراً ، ومثله قوله : { دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً } كأنه قال مضطجعاً أو قائماً أو قاعداً . المعنى : واليسر المذكور في الآية : الافطار في السفر - في قول ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك . والعسر : الصوم فيه وفي المرض . والعدة : المأمور باكمالها ، والمراد بها : أيام السفر ، والمرض الذي أمر بالافطار فيها . وقال الضحاك ، وابن زيد : عدة ما أفطروا فيه . وقوله { ولتكبّروا الله } المراد به تكبير ليلة الفطر عقيب أربع صلوات : المغرب ، والعشاء الآخرة ، وصلاة الغداة ، وصلاة العيد - على مذهبنا - . وقال ابن عباس ، وزيد بن أسلم ، وسفيان ، وابن زيد : التكبير يوم الفطر . وفي الآية دلالة على فساد قول المجبرة من ثلاثة أوجه : أحدها - قوله { هدى للناس } فعمّ بذلك كل إنسان مكلف ، وهم يقولون ليس يهدى الكفار . الثاني - قوله تعالى { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } والمجبرة تقول : قد أراد تكليف العبد ما لا يطيق مما لم يعطه عليه قدرة ، ولا يعطيه ، ولا عسر أعسر من ذلك . الثالث - لو أن إنساناً حمل نفسه على المشقة الشديدة التي يخاف معها التلف في الصوم لمرض شديد لكان عاصياً ، ولكان قد حمل نفسه على العسر الذي أخبر الله أنه لا يريده بالعبد . والمجبرة تزعم أن كلما يكون من العبد من كفر أو عسر أو غير ذلك من أنواع الفعل يريده الله . مسائل من أحكام الصوم يجوز قضاء شهر رمضان متتابعاً ، ومتفرقاً ، فالتتابع أفضل . وبه قال مالك ، والشافعي . وقال أهل العراق : هو مخير . ومن أفطر في شهر رمضان متعمداً بالجماع في الفرج لزمه القضاء ، والكفارة - عندنا - والكفارة : عتق رقبة ، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فان لم يستطع فاطعام ستين مسكيناً . وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي . وقال مالك هو بالخيار . وفي أصحابنا من قال بذلك . والاطعام لكل مسكين نصف صاع - عندنا - وبه قال أبو حنيفة ، فان لم يقدر فمد . وبه قال الشافعي ، ولم يعتبر العجز . فان جامع ناسياً ، فلا شيء عليه . وقال مالك : عليه القضاء . ومن أكل متعمداً أو شرب في نهار شهر رمضان لزمه القضاء ، والكفارة - عندنا - وهو قول أبي حنيفة ومالك . وقال الشافعي : لا كفارة عليه ، وعليه القضاء . والناسي لاشيء عليه - عندنا - وعند أهل العراق ، والشافعي . وقال مالك عليه القضاء . ومن أصبح جنباً متعمداً من غير ضرورة لزمه - عندنا - القضاء والكفارة . وقال ابن حي عليه القضاء استحباباً . وقال جميع الفقهاء لاشيء عليه . ومن ذرعه القيء ، فلا شيء عليه ، فان تعمده كان عليه القضاء . وبه قال أبو حنيفة والشافعي ومالك . وقال الأوزاعي : إن غلبه ، فعليه القضاء بلا كفارة . وإن استدعاه فعليه القضاء ، والكفارة . ومن أكل حصى أو نوى متعمداً فعليه القضاء ، والكفارة . وبه قال مالك والأوزاعي : وقال أهل العراق عليه القضاء بلا كفارة . وقال ابن حي لا قضاء ولا كفارة . واذا احتلم الصبي يوم النصف من شهر رمضان صام ما بقي ، ولا قضاء عليه فيما مضى ، ويمسك بقية يومه تأديباً ، فان أفطر فيه فلا قضاء عليه . وبه قال أهل العراق . وقال مالك : أحب الي أن يقضي ذلك اليوم ، وليس بواجب . وقال الاوزاعي : يصوم ما بقى ، ويقضى ما مضى منه . وحكم الكافر اذا أسلم حكم الصبي اذا احتلم في جميع ذلك . والمجنون ، والمغمى عليه في الشهر كله لا قضاء عليه - عندنا - بدلالة قوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر } وإنما أراد من شهد الشهر وهو ممن يتوجه اليه الخطاب ، والمجنون والمغمى عليه ليس بعاقل يتناوله الخطاب . وقوله { ومن كان مريضاً أو على سفر } المراد به إذا كان مريضاً عاقلا ، يشق عليه الصوم ، أو يخاف على نفسه منه ، فيلزمه { عدة من أيام أخر } . وقال أهل العراق : إن لم يفق المجنون في جميع الشهر ، فلا قضاء عليه ، وان أفاق في بعضه فعليه قضاؤه كله . وأما المغمى عليه في الشهر كله ، فعليه قضاؤه ، لانه بمنزلة المريض . وقال حسن بن صالح ، ومالك : المجنون ، والمغمى عليه سواء ، عليه قضاء الشهر كله إن جن في الشهر كله ، وأغمى عليه فيه . وقال الأوزاعي : المجنون ، والمغمى عليه سواء ، لا قضاء على واحد منهما ما مضى من الشهر ، ويقضى ما بقى منه ، فان أفاق بعد ما خرج الشهر كله فلا قضاء عليه . وهذا مثل ما قلناه . وقال الشافعي : يقضى المغمى عليه ، ولا يقضى المجنون . والحامل ، والمرضع ، والشيخ الكبير اذا أفطروا ، قال أهل العراق : في الحامل ، والمرضع ، يخافان على ولدهما : يفطران ، ويقضيان يوماً مكانه ، ولا صدقة عليهما ، ولا كفارة ، وبه قال قوم من أصحابنا . وقال مالك الحامل تقضي ، ولا تطعم والمرضع : تقضي ، وتطعم لكل يوم مدّاً . وقال الشافعي في رواية المزني : عليهما القضاء في الوجهين ، وتطعم لكل يوم مدّا ، وهو مذهبنا ، والمعمول عليه . وفي رواية البزنطي عن الشافعي مثل قول مالك . والشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم يفطر ويتصدق مكان كل يوم نصف صاع في قول أهل العراق ، وهو مذهبنا . وقال الشافعي : مدّ لكل يوم . وقال مالك : يفطر ولا صدقة عليه . والسفر الذي يوجب الافطار : ما كان سفراً حسناً ، وكان مقداره ثمانية فراسخ : أربعة وعشرين ميلا . وعند الشافعي : ستة عشر فرسخاً . وعند أبي حنيفة : أربعة وعشرون فرسخاً . وقال داود : قليله ، وكثيره يوجب الافطار . والمرض الذي يوجب الافطار : ما يخاف معه التلف أو الزيادة المفرطة في مرضه . وروي أنه كل مرض لا يقدر معه على القيام مقدار صلاته ، وبه قال الحسن ، وعبيدة السلماني . وفي ذلك خلاف بين الفقهاء ذكرناه في الخلاف . ومن قال : إن قوله تعالى : { ولتكملوا العدة } يدل على أن شهر رمضان لا ينقص أبداً ، فقد أبعد من وجهين : [ الاول ] ، لأن قوله { ولتكملوا العدة } معناه ولتكملوا عدة الشهر سواء كان الشهر تأماً أو ناقصاً . والثاني - أن ذلك راجع الى القضاء ، لأنه قال عقيب ذكر السفر ، والمرض : { فعدة من أيام أخر يريد الله بكم السير ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة } يعنى عدة ما فاته ، وهذا بّين .