Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 197-197)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القراءة : قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو { فلا رفث ولا فسوق } بالرفع ، { ولا جدال } بالنصب . الباقون بالنصب فيهنّ تقدير الآية : أشهر الحجّ أشهر معلومات ، فحذف المضاف ، وأقام المضاف اليه مقامه . وأشهر الحجّ - عندنا - شوال ، وذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة ، على ما روي عن أبي جعفر ( ع ) وبه قال ابن عباس ، وابن عمر ، وابراهيم ، والشعبي ، ومجاهد ، والحسن ، واختاره الجبائي . وقال عطا ، والربيع ، وابن شهاب ، وطاووس : أشهر الحجّ شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة . وروي ذلك في أخبارنا ، وإنما هذه أشهر الحج ، لأن الاحرام بالحج لا يصح أن يقع إلا فيها - بلا خلاف - وعندنا - أن الاحرام بالعمرة التي يتمتع بها لا يقع أيضاً إلا فيها . ومن قال : إن جميع ذي الحجة من أشهر الحج ، قال : لأن جميع ذي الحجة يصح أن يقع فيه شيء من أفعال الحج ، مثل صوم الثلاثة أيام ، فانه يصح أن يقع في جميع ذي الحجة ، وكذلك يصح أن يقع ذبح الهدي فيه . وقال قوم : إن المعنى واحد في قول الفريقين . وقال آخرون : هو مختلف من حيث أن الثاني معناه : أن العمرة لا ينبغي أن تكون في الأشهر الثلاثة على الكمال ، لأنها أشهر الحج ، والأول على أنها لا ينبغي أن تكون في شهرين وعشر من الثالث ، فقد روي عن ابن عمر : ان تفصلوا بين الحج والعمرة ، فتجعلوا العمرة في غير أشهر الحج ، أتم لحج أحدكم وأتم لعمرته . وروي ذلك عن القاسم بن محمد عن ابن شهاب عن عبد الله ، وابن سيرين . وقد بينا مذهبنا في ذلك . فان قيل كيف جمع شهرين ، وعشرة أيام ثلاثة أشهر ؟ قلنا : لأنه قد يضاف الفعل الى الوقت وإن وقع في بعضه . ويجوز أن يضاف الوقت اليه كذلك ، كقولك : صليت صلاة يوم الجمعة ، وصلاة يوم العيد وإن كانت الصلاة في بعضه . ويقال أيضاً : قدم زيد يوم كذا ، وخرج يوم كذا وإن كان قدومه أو خروجه في بعضه ، فكذلك جاز أن يقال : شهر الحج ذو الحجة ، وإن كان في بعضه ، وإنما يفرض فيهن الحج ، بأن يحرم فيهنّ بالحج - بلا خلاف - أو بالعمرة التي يتمتع بها بالحج - عندنا خاصة - وفي الاحرام بالحج وافقنا فيه ابن عباس ، والحسن ، وقتادة . وقال ابن عمر ، ومجاهد : إنما يفرض فيهنّ بالتلبية . وقال بعض المتأخرين : يفرض بالعزم على أعمال الحج . الاعراب : ولا يجوز نصب أشهر - في العربية - على ما بيناه من المعنى من أن تقديره أشهر { الحج أشهر معلومات } أو وقت { الحج أشهر معلومات } وقد أجازوا الحج شهر ذي الحجة ، لأنه معرفة كما تقول العرب : المسلمون جانب ، والكفار جانب بالرفع ، فاذا أضافوا نصبوا ، فقالوا : المسلمون جانب أرضهم ، والكفار جانب بلادهم . وانما جاز ذلك ، لأن النكرة لما جاءت على شرط الخبر : في كونه نكرة من حيث كانت الفائدة فيه ، ورفعت بأنها خبر الابتداء فلما صارت معرفة ، والخبر يطلب النكرة نصبت ليصح تقدير الاستقرار الذي هو نكرة كأنك قلت : الكفار مستقرون جانب بلادهم ، ففائدة الأول من جانب ، وفائدة الثاني في مستقر . المعنى : وقوله تعالى : " فلا رفث " فالرفث ها هنا - عند أصحابنا - كناية عن الجماع وهو قول ابن مسعود ، وقتادة . وأصله الافحاش في النطق كما قال العجاج : @ عن اللّغا ورفث التكلم @@ وقيل الرفث بالفرج : الجماع ، وباللسان : المواعدة للجماع ، وبالعين : الغمز للجماع . وقال ابن عباس ، وابن عمر وعطا : المراد ها هنا : المواعدة للجماع ، والتعريض للنساء به . وقال الحسن : الجماع ، والتعرض له بمواعدة أو مداعبة كله رفث . وقوله تعالى : { ولا فسوق } روى أصحابنا : أنه أراد الكذب . والأولى أن نحمله على جميع المعاصي التي نهي المحرم عنها ، وبه قال ابن عمر . وقال الحسن : المعاصي نحو القذف وشبهه ، وقال ابن عباس ومجاهد وعطا : هو جميع المعاصي مثل ما قلناه . وقال بعضهم لا يجوز أن يكون المراد إلا ما نهي عنه المحرم ها هنا ، مما هو حلال له في غير الاحرام ، لاختصاصه بالنهي عنه وهذا غلط ، لأنه تخصيص للعموم بلا دليل ، وقد يقول القائل : ينبغي أن تقيد لسانك في رمضان لئلا يبطل صومك ، فيخصه بالذكر لعظم حرمته . وقوله : { ولا جدال فى الحج } فالذي رواه أصحابنا : أنه قول لا والله وبلى والله صادقاً ، وكاذباً . وللمفسرين فيه قولان : أحدهما - قال ابن عباس ، وابن مسعود ، والحسن : أنه لا مراء بالسّباب والأعصاب على جهة المحك ، واللجاج . الثاني - قال مجاهد والسدي : إنه لا جدال في أن الحج قد استدار في ذي الحجة ، لأنهم كانوا ينسون الشهور فيقدمون ويؤخرون ، فربما اتفق في غيره . اللغة : وأما اشتقاقه في اللغة فالجدال والمجادلة ، والمنازعة ، والمشاجرة ، والمخاصمة واحد ، وتقول : جدلت الحبل أجدّله وأجدِله جدلا : إذا فتلته ، وجادلت الرجل مجادلة وجدالا : إذا خاصمته ، وتجادلا تجادلا . وجدلته تجديلا : إذا ألقيته على الأرض . وتجدّل تجدّلا وانجدل انجدالا . والجديل : زمام البعير . والجدول : نهر صغير . والمجدل : القصر . والجدالة : الأرض ذات الرمل الرقيق . والأجدل : الصقر ، وكل مفتول : مجدول . وغلام جادل : إذا ترعرع واشتد . والجديلة : شريجة الحمام . ورجل أجدل المنكب : فيه تطأطؤ ، بخلاف الاشراف من المناكب . وأصل الباب : الفتل ، والجدال : القتال . الاعراب : ومن نصب ( الثلاثة ) أخرج اللفظ مخرج عموم النفي للمبالغة في معنى النفي . ومن رفع بعضاً ونصب بعضاً ، فلاختلاف المعنى ، لأن الأول على معنى النهي ، والثاني بمعنى الاخبار عن زمان الحج : قد استدار في ذي الحجة ، فكان أحقّ بالنصب ، لعموم النفي . فأما الأول ، فقد يقع من الخاطىء ، فلا يصح فيه عموم النفي . هذا قول النحويين . والصحيح أن الكل معناه النهي ، وان خرج مخرج النفي ، والاخبار . والمراد به النهي بلا خلاف . المعنى : وقوله تعالى : { وما تفعلوا من خير يعلمه الله } معناه وما تفعلوا من خير يجازكم الله العالم به ، لأن الله عالم على كل حال ، إلا أنه جعل { يعلمه } في موضع يجازيه للمبالغة في صفة العدل ، لأنه يعاملكم معاملة من يعلمه إذا ظهر منكم ، فيجازي به ، وذلك تأكيد أن الجزاء لا يكون إلا بالفعل دون ما يعلم أنه يكون منهم قبل أن يفعلوه . وقوله : { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى } قيل في معناه قولان : أحدهما - قال الحسن ، وقتادة ، ومجاهد : أن قوماً كانوا يرمون بازوادهم ، ويتسمون بالمتوكلة ، فقيل لهم تزودوا من الطعام ، ولا تلقوا كلكم على الناس ، وخير الزاد مع ذلك التقوى . والثاني - { تزودوا } من الأعمال الصالحات { فإن خير الزاد التقوى } ، فذكر ذلك في الحج ، لأنه أحق شيء بالاستكثار من أعمال البرّ فيه ، والزاد : الطعام الذي يتخذ للسفر . والمزود : وعاء يجعل فيه الزاد . وكل من انتقل بخير من عمل أو كسب ، فقد تزود منه تزوداً . وقوله : { واتقون يا أولي الألباب } يعني يا ذوي العقول ، لأن اللبّ العقل ، وإنما سمي لباً لأنه أفضل ما في الانسان . وأفضل كل شيء لبّه .