Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 213-213)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القراءة : قرأ أبو جعفر المدني { ليحكم } - بضم الياء - الباقون بفتحها . المعنى : معنى قوله : { كان الناس أمة واحدة } أهل ملة واحدة كما قال النابغة : @ حلفتُ فلم أترك لنفسك ريبة وهل يأثمن ذو أمّة وهو طائع @@ أي ذو ملة ودين . وأصل الأمة الأم من قولك : أمّ يؤم أماً : إذا قصده . وهي على أربعة أوجه : فالأمة : الملة ، والأمة : الجماعة ، والأمة : المنفرد بالمقابلة ، والأمة : القابلة . واختلفوا في الدين الذي كانوا عليه ، فقال ابن عباس ، والحسن ، واختاره الجبائي : إنهم كانوا على الكفر . وقال قتادة ، والضحاك : كانوا على الحق ، فاختلفوا . فان قيل : إذا كان الزمان لا يخلوا من حجة كيف يجوز أن يجتمعوا كلهم على الكفر ، قلنا : يجوز أن يقال ذلك على التغليب لأن الحجة إذا كان واحداً أو جماعة يسيرة ، لا يظهرون خوفاً وتقية ، فيكون ظاهر الناس كلهم الكفر بالله ، فلذلك جاز الاخبار به على الغالب من الحال ، ولا يعتد بالعدة القليلة . وقوله : { وأنزل معهم الكتاب بالحق } قيل في معناه قولان : أحدهما - بما فيه من البيان عن الحق من الباطل . الثاني - أن معناه : بأنه حق للاستصلاح به على ما توجبه الحكمة فيه . وقوله : { ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه } فحقيقته ، ليحكم منزل الكتاب ، لأن الله هو الحاكم بما أنزل فيه ، فهو مجاز - في قول الجبائي - قال : إلا أنه جعل اللفظ على الكتاب تفخيماً له ، لما فيه من البيان . ويجوز أن يكون في يحكم ضمير اسم الله ، فيكون حقيقة . ومن ضم الياء قراءته لا شبهة فيها . والمعنى ليحكم الناس أو العلماء بما فيه من الحق . وقوله تعالى : { وما اختلف فيه } الهاء عائدة على الحق . وقيل على الكتاب . والأول أصح ، لأن اختلافهم في الحق قبل إنزال الكتاب . فان قيل : إذا كانوا مختلفين على إصابة بعضهم له ، فكيف يكون الكفر عمهم به ؟ قلنا : لا يمتنع أن يكون الكل كفاراً ، وبعضهم يكفر من جهة الغلوّ ، وبعضهم من جهة التقصير كما كفرت اليهود ، والنصارى في عيسى ( ع ) ، فقالت النصارى : هو ربّ ، فغالوا . وقصّرت اليهود ، فقالوا : كذاب متخرص . فان قيل : كيف يكون الكل كفاراً مع قوله : { فهدى الله الذين آمنوا } ؟ قلنا : لا يمتنع أن يكونوا كلهم كانوا كفاراً ، فلما بعث الله اليهم بالأنبياء مبشرين ، ومنذرين اختلفوا ، فآمن قوم ، ولم يؤمن آخرون . وروي عن أبي جعفر ( ع ) أنه قال : كانوا قبل نوح أمة واحدة على فطرة الله ، لا مهتدين ، ولا ضُلاّلاً ، فبعث الله النبيين . الاعراب : وقوله تعالى : { بغياً بينهم } نصب على المفعول له ، كأنه قال للبغي بينهم - على قول الأخفش ، والزجاج - . وقال بعضهم : الاستثناء متعلق بثلاثة أشياء ، كأنه قال : { وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه } ، ما اختلفوا فيه إلا من بعد ما جاءتهم البينات ، ما اختلفوا فيه إلا بغياً بينهم . إلا أنه حذف الثاني لدلالة الأول عليه . قال الرماني : والصحيح الأول ، لأنه لا يحكم بالحذف مع استقامة الكلام من غير حذف إلا لعذر . المعنى : وقوله : { فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه } معناه : هداهم للحق ، وهو الذي اختلفوا فيه . وقيل في معنى باذنه قولان : أحدهما - بلطفه ، ولا بد من محذوف على هذا التأويل ، أي فاهتدوا باذنه ، لأن الله عز وجل ، لا يفعل الشيء باذن أحد يأذن له فيه ، ولكن قد يجوز أن يكون على جهة التفسير للهدى ، كأنه قال : هداهم بأن لطف لهم ، وهداهم بأن أذن لهم . وقال الجبائي : لا بد من أن يكون على حذف ( فاهتدوا ) باذنه . والقول الثاني - هداهم بالحق بعلمه ، والاذن بمعنى العلم معروف في اللغة قال الحارث بن جلزّة : @ آذنتنا ببينها أسماء @@ أي أعلمتنا . وهو قول الزجاج ، وغيره من أهل اللغة . فان قيل : إذا كانوا إنما هدوا للحق من الاختلاف فلم قيل : للاختلاف من الحق ؟ قيل : لأنه لما كانت العناية بذكر الاختلاف , كان أولى بالتقديم ، ثم تفسيره بـ { من } . وقال الفراء هو من المقلوب نحو قول الشاعر : @ كانت فريضة ما تقول كما كان الزناء فريضة الرجم @@ وإنما الرجم فريضة الزنا . وكما قال الآخر : @ إن سراجاً لكريم مفخرة تحلى به العين إذا ما تجره @@ وإنما يحلى هو بالعين . قال غيره إنما يجوز القلب في الشعر للضرورة . ووجه الكلام على ما بيناه واضح . فان قيل : ما الهدى الذي اختص به من يشاء ؟ قيل فيه ثلاثة أقوال : قال الجبائي : اختص به المكلفين دون غيرهم ممن لا يحتمل التكليف ، وهو البيان ، والدلالة والثاني - قال : ويجوز أن يكون هداهم على طريق الجنة ، ويكون للمؤمنين خاصة . وقال ابن الأخشاد ، والبلخي : يجوز أن يكون هداهم باللطف , فيكون خالصاً لمن علم من حاله أنه يصلح به . ولا يجوز أن يكون المراد بالهداية ها هنا الارشاد الى الدين ، ونصب الدلالة عليه ، لأنه تعالى لا يخص بذلك قوماً دون قوم ، بل لا يصلح التكليف من دونه . وقد بين الله تعالى : أن اختلافهم كان بعد أن جاءتهم البينات فعم بذلك جميعهم ، فلو أراد الله بقوله { فهدى الله الذين آمنوا } بالبينات ، لكان متناقضاً - أللهم - إلا أن يحمل ذلك على أنه أضاف اليهم الهداية ، من حيث كانوا هم المنتفعين بها ، والمتبعين لها ، فكأنهم كانوا هم المخصوصين بها كما قال : { هدى للمتقين } وقوله تعالى : { إنما تنذر من اتبع الذكر } { وإنما أنت منذر من يخشاها } وإن كان منذراً لجميعهم ، ، والذي يقوى ذلك قوله : { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } فبين أنه هداهم . وإنما لم يهتدوا ، فكيف يجوز أن تحمل الهداية على نصب الدلالة ، وإقامة الحجة على قوم دون قوم . والفرق بين : هدى المؤمنين الى الايمان ، وبين أنعم عليهم بالايمان ، قال الجبائي : إن الهدى للأيمان غير الايمان ، والانعام بالايمان هو نفس الايمان . والصحيح أنه هداه بالايمان يجري مجرى قوله : أنعم عليه بالايمان لأنه يراد بذلك التمكين منه . والاقتدار عليه والدعاء إليه ولا يراد به نفس الايمان . وقوله : { والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } أي الى طريق الدين الواضح . واختلفوا في الامة المعنية بهذه الآية ، فقال ابن عباس ، وقتادة : هم الذين كانوا بين عاد ، ونوح ، وهم عشر فرق كلهم كانوا على شريعة من الحق ، فاختلفوا بعد ذلك . فالتقدير - على قول هؤلاء - كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين . وقال مجاهد : المراد بالآية آدم ، فبعث النبيين الى ولده ، لما اختلفوا . وقال أبي بن كعب ، والربيع : كان الناس أمة حين استخرجوا من ظهر آدم ، فأقروا له بالعبودية ، واختلفوا فيما بعد ، فبعث الله اليهم النبيين . وقال ابن عباس في رواية أخرى : كانوا أمة واحدة على الكفر ، فبعث الله النبيين . وقال السدي : كانوا على دين واحد من الحق ، فاختلفوا ، فبعث الله النبيين . وقال الربيع والطبري : الكتاب الذي اختلفوا فيه التوراة . وقال آخرون كل كتاب أنزل الله مع النبيين .