Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 233-233)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القراءة : قرأ ابن كثير ، وأهل البصرة ، وقتيبة : { لا تضار } - بتشديد الراء - ورفعها . وقرأ أبو جعفر بتخفيفها وسكون . الباقون بتشديدها وفتحها . وقرأ ابن كثير { ما آتيتم } قصرا ، وكذلك { ما آتيتم من رباً } في الروم . قوله : { يرضعن أولادهن حولين كاملين } في حكم الله الذي أوجبه على عباده , فحذف للدلالة عليه . الثاني - لأنه وقع موقع يرضعن ، صرفا في الكلام مع رفع الاشكال . ولو كان خبراً لكان كذباً ، لوجود والوالدات يرضعن أولادهن أكثر من حولين ، وأقل منهما . وفي الآية بيان لأمرين : أحدهما مندوب ، والثاني فرض ، فالمندوب : هو أن يجعل الرضاع تمام الحولين ، هي التي تستحق المرضعة الأجر فيهما ، ولا تستحق فيما زاد عليهما ، وهو الذي بينه الله تعالى بقوله : { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } فتثبت المدة التي تستحق بها الأجرة على ما أوجبه الله في هذه الآية . اللغة : تقول : رُضع يرضَع ، ورضِع يرضع رضاعة ، وأرضعته أمه إرضاعاً ، وارتضاعاً ، واسترضع استرضاعاً ، وراضعه رضاعاً ، ومراضعة . ولئيم راضع ، لأنه يرضع لبن ناقته من لؤمه ، لألاّ يسمع الضيف صوت الشخب . والرضعتان : الثنيتان : مقدمتا الاسنان ، لأنه يشرب عليهما اللبن . وأصل الباب الرضع : مصّ الثدي ، لشرب اللبن منه . ومعنى { حولين } سنتان ، وهو مأخوذ من الانقلاب في قولك : حال الشيء عما كان عليه يحول ، فالحول ، لأنه انقلب عن الوقت الأول الى الثاني ، ومنه الاستحالة في الكلام ، لأنقلابه عن الصواب . وقيل أخذ من الانتقال من قولك : تحول عن المكان . وإنما قال : { كاملين } فان كانت التثنية تأتي على استيفاء العدة ، لرفع التوهم ، وإنه على طريقة التغليب ، كقولهم : سرنا يوم الجمعة . وإن كان السير في بعضه . وقد يقال : أقمنا حولين ، وإن كانت الاقامة في حولين ، وبعض آخر فهو لرفع الايهام الذي يعرض في الكلام . المعنى : فان قيل : هل يلزم في كل مولود قيل : فيه خلاف : قال ابن عباس : لا ، لأنه يعتبر ذلك بقوله : { وحمله وفصاله ثلاثون شهراً } فان ولدت المرأة لستة أشهر ، فحولين كاملين ، وإن ولدت لسبعة أشهر ، فثلاثة وعشرون شهراً ، وإن ولدت لتسعة أشهر ، فاحد وعشرين شهراً تطلب بذلك التكملة لثلاثين شهراً في الحمل والفصال الذي سقط به الفرض ، وعلى هذا تدل أخبارنا ، لأنهم رووا : أن ما نقص عن إحدى وعشرين شهراً فهو جور على الصبي . وقال الثوري : هو لازم في كل ولد إذا اختلف والداه ، رجعا الى الحولين من غير نقصان ، ولا زيادة ، ولا يجوز لهما غير ذلك ، والرضاع بعد الحولين لا حكم له في التحريم - عندنا - وبه قال ابن مسعود وابن عباس وابن عمرو وأكثر العلماء ، وروي عن عائشة أن رضاع الكثير يؤثر . وقال أبو علي الجبائي لم يقم بهذا حجة ولا نزل له ظاهر القرآن . وقوله : { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } معناه أنه يجب على الأب إطعام أم الولد وكسوتها ما دامت في الرضاعة اللازمة إذا كانت مطلقة ، وبه قال الضحاك والثوري وأكثر المفسرين . اللغة ، والحجة : يقال كساه يكسوه كسوة : إذا ألبسه الثياب واكتسى هو اكتساء : إذا لبس ، واكتست الأرض بالنبات إذا تغطت به ، وكسوته مدحاً أو ذماً : إذا أثنيت عليه أو ذممته . والكساء معروف ، وأصل الباب الكسوة : اللباس . وقوله : { لا تكلف نفس إلا وسعها } يدل على فساد قول المجبرة : في حسن تكليف ما لا يطاق لأنه إذا لم يجز أن يكلف مع عدم الجدة لم يجز أن يكلف مع عدم القدرة ، لأنه إنما لم يحسن في الأول من حيث أنه لا طريق له الى إداء ما كلفه من غير جدة ، فكذلك لا سبيل له الى إداء ما كلف الى الطاعة مع عدم القدرة ، ولا ينافي ذلك قوله : { فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً } لأنه ليس المراد نفي القدرة وإنما معناه : أنه يثقل عليهم كما يقول القائل : لا أستطيع أن أنظر الى كذا معناه : أنه يثقل عليّ ، ويقال : كلف وجهه كلفاً ، وبخدّه كلف أي أثر ، والكلف بالشيء الايلاع به ، لأنه لزوم يظهر أثره عليه ، وكلف كلفا : إذا أحب . وتكلف الأمر تكلفاً : تحمله . وكلفه تكليفاً : ألزمه . وأصل الباب الكلف : ظهور الاثر . وقوله : { لا تضار والدة بولدها } أصله تضارر - بكسر الراء الأولى - وقيل - بفتحها - وأسكنت وأدغمت في الراء بعدها . ومن فتحها بالتقاء الساكنين ، وهو الأقوى فيما قبله فتحة أو ألف نحو عضّ ولا تضار زيداً . وقال بعضهم : لا يجوز ألاّ تضارر بفتح الراء الأولى ، لأن المولود لا يصح منه مضمارة ، لأن الأفصح لو كان كذلك الكسر . قال الرماني : غلط في الاعتلالين أما الأول ، فلأنه ينقلب عليه في تضارّ إذا المضارة من إثنين في الحقيقة ، وإن لم يسم الفاعل . ولأنه إنما يرجع ذلك الى الزوج ، والمرأة الأولى والولد . فأما الأفصح ، فعلى خلاف ما ذكر ، لأن الفتح لغة أهل الحجاز ، وبني أسد ، وكثير من العرب ، وهو القياس ، لأنه إذا جاز مدّ بالضم للاتباع ، كانت الفتحة بذلك أولى ، لأنها أخف ، ولأنه يجوز مدّ بالفتح طلباً للخفة ، فاذا اجتمع الاتباع والاستخفاف كان أولى ، وقوله : إن الفتحة في تضار : هي الفتحة في الراء الاولى ، دعوى منه لا دليل عليها . ويدل على صحة ما قلناه : قوله : { من يرتد منكم } { ولا يضار كاتب } كل ذلك بالفتح دون الكسر . المعنى : وإنما قيل : { يضار } والفعل من واحد لانه لما كان معناه المبالغة كان بمنزلته من إثنين ، وذلك لانه يضره إن رجع عليه ، منه ضرورة ، فكأنه قيل : لا تضار والدة من الزوج بولدها . ولو قيل في ولدها لجاز في المعنى ، وكذلك فرض الوالد . وعن أبي جعفر وأبي عبد الله ( ع ) أي لا يترك جماعها خوف الحمل لاجل ولدها المرتضع { ولا مولود له بولده } يعني لا تمنع نفسها من الأب خوف الحمل ، فيضر ذلك بالأب وقيل : { لا تضار والدة بولدها } بأن ينزع الولد منها ، ويسترضع إمرأة أخرى مع إجابتها الى الرضاع باجرة المثل { ولا مولود له } بولده أي لا تمتنع هي من الارضاع إذا أعطيت أجرة مثلها ، والأولى حمل الآية على عموم ذلك . وقيل : معناه أنّ على الوالدة ألاّ تضار بولدها فيما يجب عليها من تعاهده ، والقيام بأمره ، ورضاعه ، وغذاءه . وعلى الوالد ألاّ يضار بولده فيما يجب عليه من النفقة عليه ، وعلى أمه ، وفي حفظه ، وتعاهده . وقوله : { وعلى الوارث مثل ذلك } قال الحسن ، وقتادة ، والسدي : الوارث للولد . وقال قبيضة بن ذؤيب : هو الوالد ، والأول أقوى . فان قيل : أعلى كل وارث له ، أم على بعضهم ؟ قيل : ذكر أبو علي الجبائي : أن على كل وارث نفقة الرضاع الأقرب فالأقرب يؤخذ به . وأما نفقة ما بعد الرضاع ، فاختلفوا ، فعندنا يلزم الوالدين - وإن عليا - النفقة على الولد وإن نزل ، ولا يلزم غيرهم . وقال قوم : يلزم العصبة دون الأم ، والأخوة من الأم ، ذهب اليه عمر ، والحسن . وقيل : على الوارث من الرجال ، والنساء على قدر النصيب من الميراث ، ذكره قتادة ، وعموم الآية يقتضيه ، غير أنا خصصناه بدليل . وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : على الوارث ممن كان ذا رحم محرم دون من كان ذا رحم ليس بمحرّم ، كابن العم وابن الأخت ، فأوجبوا على ابن الأخت ولم يوجبوه على ابن العم وإن كان وارثه في تلك الحال ، وكذلك العمة وابن العمة حكا ذلك أبو علي الجبائي ، والبلخي . وقال سفيان { وعلى الوارث } : أي الباقي من أبويه ، وهذا مثل ما قلناه . وقد روي في أخبارنا : أن على الوارث كائناً من كان النفقة ، وهو ظاهر القرآن ، وبه قال قتادة ، وأحمد ، واسحاق ، والحسن وإبراهيم . اللغة : والميراث : تركة الميت ، تقول : ورث يرث إرثاً ، ووأرثه ميراثاً ، وتوارثوا توارثاً ، وورّثه توريثاً . وأورته الحي ضعفاً . والتراث : الميراث . وورّثت النار ، وأورثتها : إذا حركت جمرها ، ليشتعل ، لأنه تظهر فيه النار عن الأول ، كظهور الميراث في الثاني عن الأول . المعنى : وقوله : { مثل ذلك } يعنى من النفقة ، وبه قال ابراهيم . وقال الضحاك : من ترك المضارة . والمفهوم من الكلام ، وعند أكثر العلماء : الأمران معاً ، وهو أليق بالعموم . وقوله : { فإن أرادا فصالاً } فالفصال : الفطام ، لانفصال المولود عن الاغتذاء بثدي أمه الى غيره من الاغتذاء . فان قيل : أي فصال ذاك أقبل الحولين أم بعدهما ؟ قيل : فصال الحولين ، لأن الفرض معلوم إذا تنازعا رجعا إليه ، فأما بعد الحولين ، فلا يجب على واحد منهما اتباع الآخر في دعائه . وبه قال مجاهد ، وقتاده ، وابن شهاب ، وسفيان وابن زيد . وروي عن ابن عباس : أنه إذا تراضيا على الفصال قبله أو بعده مضى ، فان لم يتراضيا رجعا الى الحولين . اللغة : وأصل الباب الفرق ، يقال : فصل يفصل فصلا ، وفاصله مفاصلة ، وتفاصلوا تفاصلا ، واستفصلوا استفصالا وانفصل انفصالا ، وفصّله تفصيلا ، وتفصل تفصلا . وفواصل القلادة : شذر بين نظم الذهب . والفصل : القضاء بين الحق ، والباطل ، وهو الفيصل . وفصيلة الرجل بنو أبيه ، لانفصالهم من أصل واحد . والفصيل : الواحد من أولاد الابل ، لأنه فصل عن أمه والفصيل : حائط قصير دون السور . المعنى : وقوله : { فلا جناح عليهما } يعني لا حرج ، على قول ابن عباس ، وهو مأخوذ من { جنحوا للسلم } أي مالوا . والجناح : الميل عن الاستقامة . وقوله : { إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف } معناه على قول مجاهد ، والسدي : أجر الأم بمقدار ما أرضعت أجرة المثل . وقال سفيان : أجرة المسترضعة . وقال ابن شهاب : سلّمتم الاسترضاع . وقال ابن جريج : أجرة الأم والنظير . وقوله : { أن تسترضعوا أولادكم } معناه : لأولادكم ، وحذفت اللام لدلالة الاسترضاع عليه من حيث أنه لا يكون إلا للأولاد ، ولا يجوز : دعوت زيداً ، تريد لزيد ، لأنه يجوز أن يكون المدعو ، والمدعو له ، إذ معنى دعوت زيداً لعمرو ، خلاف دعوت زيداً فقط ، فلا يجوز للالباس . وفي الآية دلالة على أن الولادة لستة أشهر تصح ، لأنه إذا ضم الى الحولين كان ثلاثين شهراً ، وروي عن علي ( ع ) وابن عباس ذلك . الاعراب : ومن رفع { لا تضار } فعلا استئناف النفي . وقال الكسائي ، والفراء : هو منسوق على { لا تكلف } . قال الرماني هذا غلط ، لأن النسق بـ ( لا ) إنما هو على إخراج الثاني مما دخل فيه الأول ، نحو ضربت زيداً لا عمراً ، فأما أن يقوم زيد لا يقعد عمرو ، فلا يجوز على النسق ، ولكن يرفع على استئناف النفي بـ ( لا ) ، فكذلك " لا تضار " مستأنف في اللفظ متصل في المعنى ، وقوله : { وإن تصبروا وتتقوا } إنما جاز في موضع الجزم للاتباع ، وليس ذلك في { لا تضار } . اللغة : والوسع : الطاقة مأخوذ من سعة المسلك الى العرض ، فيتمكن لذلك . ولو ضاق لأعجز عنه ، والسعة فيه بمنزلة القدرة ، فلذلك قيل : الوسع بمعنى الطاقة . وقوله : { وتشاور } فالتشاور مأخوذ من الشور ، وهو اجتناء العسل ، تقول : شرت العسل ، وأنا اشوره شوراً ، واشيره إشارة : إذا اجتنيته من مكانه . والمشورة : استخراج الرأي من المستشار ، لأنه يجتنى منه . وشاوره مشاورة ، وأشار عليه إشارة ، واستشار استشارة . واستشار العسل : إذا اجتناه وأشار الى الشيء إشارة : إذا أومىء اليه ، والمشيرة الاصبع الذي تسمى السبابة لأنه يشار بها الشباب ، وغيره . والشابة : الهيبة ، واللباس الحسن لأنه مما يشاب اليه لحسنه والتشوير : استخراج سير الدابة كالاحسان .