Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 23-23)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الحجة : هذه الآية فيها احتجاج لله تعالى لنبيه محمد ( صلى الله عليه وآله ) على مشركي قوم من العرب والمنافقين ، وجميع الكفار من أهل الكتابين ، وغيرهم ، لأنه خاطب أقواماً عقلاء ألباء في الذروة العليا من الفصاحة ، والغاية القصوى من البلاغة واليهم المفزع في ذلك . فجاءهم بكلام من جنس كلامهم وجعل عجزهم من مثله حجة عليهم ، ودلالة على بطلان قولهم . ووبخهم ، وقرعهم وامهلهم المدة الطويلة وقال لهم : { فأتوا بعشر سور مثله مفتريات } ، ثم قال : { فأتوا بسورة مثله } وقال في موضع آخر : { بسورة من مثله } . وخبرهم أن عجزهم ، إنما هو عن النظير والجنس ، مع أنه ولد بين أظهرهم ونشأ معهم ، ولم يفارقهم في سفر ولا حضر . وهو من لا يخفى عليهم حاله لشهرته وموضعه . وهم اهل الحمية والانفة يأتي الرجل منهم بسبب كلمة على القبيلة ، فبذلوا أموالهم ونفوسهم في إطفاء امره ولم يتكلفوا معارضته بسورة ولا خطبة فدل ذلك على صدقه . وذكرنا ذلك في الأصول المعنى : وقوله : { بسورة من مثله } قال قوم : إنها بمعنى التبعيض : وتقديره : فاتوا ببعض ما هو مثل له وهو سورة . وقال آخرون : هي بمعنى تبيين الصفة كقوله : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } وقال قوم : إن { من } زائدة . كما قال في موضع آخر : { بسورة مثله } يعني مثل هذا القرآن . وقال آخرون : أراد ذلك من مثله في كونه بشراً امياً ، طريقته مثل طريقته والأول أقوى ، لأنه تعالى قال في سورة أخرى : { بسورة مثله } . ومعلوم أن السورة ليست محمداً " ص " ، ولا له بنظير ولأن في هذا الوجه تضعيفاً لكون القرآن معجزة ، ودلالة على النبوة . وقوله : { وادعوا شهداءكم من دون الله } . قال ابن عباس : أراد أعوانكم على ما أنتم عليه ، إن كنتم صادقين . وقال الفراء : أراد ادعوا آلهتكم . وقال مجاهد وابن جريح أراد قوماً يشهدون لكم بذلك ممن يقبل قولهم . وقول ابن عباس أقوى وقوله : { مثله } ، أراد به مايقاربه في الفصاحة ، ونظمه ، وحسن ترصيفه وتأليفه ، ليعلم أنه اذا عجزوا عنه ، ولم يتمكنوا منه ، أنه من فعل الله تعالى ، جعله تصديقاً لنبيه ، وليس المراد أن القرآن له مثل عند الله ، ولولاه لم يصح التحدي لأن ما قالوه : لا دليل عليه . والاعجاز يصح ، وإن لم يكن له مثل أصلا ، بل ذلك أبلغ في الاعجاز ، لأن ذلك جار مجرى قوله : { هاتوا برهانكم } وانما أراد نفي البرهان أصلا . والدعاء اراد به الاستعانة . قال الشاعر : @ وقبلك ربّ خصم قد تمالوا عليّ فما جزعت ولا دعوت @@ وقال آخر : @ فلما التقت فرساننا ورجالهم دعوا يا لكعب واعتزينا لعامر @@ يعني انتصروا بكعب واستغاثوا بهم . وشهداء جمع شهيد : مثل شريك وشركاء وخطيب وخطباء . والشهيد : يسمى به الشاهد على الشيء لغيره بما يحقق دعواه . وقد يسمى به المشاهد للشيء . كما يقال : جليس فلان . يريد به مجالسه ومنادمه . فعلى هذا تفسير ابن عباس أقوى . وهو ، أن معناه استنصروا أعوانكم على أن يأتوا بمثله ، وشهداءكم الذين يشاهدونكم ويعاونونكم على تكذيب الله ورسوله ، ويظاهرونكم على كفركم ونفاقكم إن كنتم محقين . وما قاله مجاهد وابن جريح في تأويل ذلك لا وجه له ، لأن القوم على ثلاثة اصناف : فبعضهم اهل ايمان صحيح . وبعضهم أهل كفر صحيح . وبعضهم أهل نفاق . فأهل الايمان اذا كانوا مؤمنين بالله ورسوله ، فلا يجوز ان يكونوا شهداء للكفار على ما يدعونه ، واما اهل النفاق والكفر فلا شك انهم اذا دعوا الى تحقيق الباطل وابطال الحق ، سارعوا اليه مع كفرهم وضلالتهم . فمن أي الفريقين كانت تكون شهداء . لكن يجري ذلك مجرى قوله : { قل لئن اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } وقد أجاز قوم هذا الوجه أيضاً قالوا : لأن العقلاء لا يجوز أن يحملوا نفوسهم على الشهادة بما يفتضحون به في كلام أنه مثل القرآن ولا يكون مثله . كما لا يجوز ان يحملوا نفوسهم على ان يعارضوا ما ليس بمعارض في الحقيقة . ومعنى الآية : إن كنتم في شك من صدق محمد صلى الله عليه وآله فيما جاءكم به من عندي ، فاتوا بسورة من مثله ، فاستنصروا بعضكم بعضاً على ذلك إن كنتم صادقين في زعمكم حتى إذا عجزتم وعلمتم انه لا يقدر على ان يأتي به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ولا احد من البشر يتضح عندكم انه من عند الله تعالى