Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 26-26)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
سبب النزول : اختلف اهل التأويل في سبب نزول هذه الآية فروي عن ابن مسعود وابن عباس أن الله تعالى ، لما ضرب هذين المثلين للمنافقين وهو قوله { كمثل الذي استوقد ناراً } وقوله { أو كصيب من السماء } قال المنافقون الله أجل من { أن يضرب مثلا } إلى آخر الآية ، وقال الربيع بن أنس هذا مثل ضربه الله للدنيا ، لأن البعوضة تحيا ما جاعت ، فاذا سمنت ماتت فشبه الله تعالى هؤلاء بانهم اذا امتلؤوا أخذهم الله ؛ كما قال تعالى { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء } إلى آخر الآية - إلى ان قال { حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون } وقال قتادة معناه أن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها أي لا يستحيي من الحق أن يذكر منه شيئاً ما قل أو كثر . إن الله تعالى حين ذكر في كتابه الذباب والعنكبوت قال اهل الضلالة ماذا اراد الله من ذكر هذا ؟ فانزل الله تعالى { أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها : الآية } وكل هذه الوجوه حسنة . واحسنها قول ابن عباس ، لأنه يليق بما تقدم . وبعده ما قال قتادة . وليس لأحد ان يقول : هذا المثل لا يليق بما تقدم . من حيث لم يتقدم للبعوضة ذكر . وقد جرى ذكر الذباب والعنكبوت في موضع آخر . في تشبيه آلهتهم بها وان يكون المراد بذلك اولى ، وذلك ان قوله : { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها } . انما هو خبر منه تعالى انه لا يستحيي تعالى أن يضرب مثلا في الحق من الأمثال : صغيرها وكبيرها ، لأن صغير الأشياء عنده وكبيرها بمنزلة واحدة من حيث لا يتسهل الصغير ، ولا يصعب الكبير . وإن في الصغير من الاحكام والاتقان ما في الكبير . فلما تساوى الكل في قدرته ، جاز أن يضرب المثل بما شاء من ذلك ، فيقر بذلك المؤمنون ، ويسلمون وان ضل به الفاسقون بسوء اختيارهم وهذا المعنى مروي عن مجاهد . وروي عن الصادق جعفر بن محمد ( عليه السلام ) انه قال : إنما ضرب الله بالبعوضة ، لأن البعوضة على صغر خلق فيها جميع ما في الفيل على كبره وزيادة عضوين آخرين . فاراد الله ان ينبه بذلك المؤمنين على لطف خلقه وعجيب عظم صنعه . المعنى : و { يستحيي } لغة اهل الحجاز وعامة العرب بيائين . وبنو تميم يقولون : بياء واحدة اخصر . كما قالوا : الم يك ، ولا ادر ومعنى { يستحيي } : قال بعضهم : إنه لا يخشى ان يضرب مثلا كما قال : { وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه } معناه : تستحيى الناس والله احق ان تستحييه ، فيكون الاستحياء بمعنى الخشية بمعنى الاستحياء . وقال الفضل بن سلمة : معناه لا يمتنع وقال قوم : لا يترك وهو قريب من الثاني واصل الاستحياء : الانقباض عن الشيء ، والامتناع منه خوفاً من مواقعة القبيح والاستحياء ، والانخزال والانقماع ، والارتداع متقاربة المعنى وضد الحياء القحة ومعنى ( الاستحياء ) في الآية : انه ليس في ضرب المثل بالحقير عيب يستحيى وكأنه قال : لا يحل ضرب المثل بالبعوضة محل ما يستحيى منه فوضع قوله : { إن الله لا يستحيى } الآية إختاره الرماني وقوله : { أن يضرب مثلا } فهو ان يصف ويمثل ويبين كما قال تعالى { ضرب لكم مثلا من أنفسكم } معناه وصف لكم كما قال الكميت : @ وذلك ضرب أخماس أريدت لأسداس عسى أن لا تكونا @@ والمعنى وصف أخماس . وضرب المثل بمثله . يقال : أي ضرب هذا ؟ أي من أي جنس ولون . والضروب : الأمثال والمثل : الشبه . ويقال : مِثل ومَثَل . كما قالوا : شِبه وشَبه . كقول كعب بن زهير : @ كانت مواعيد عرقوب لنا مثلا وما مواعيده إلا الأباطيل @@ يعني شبهاً . فمعنى الآية : إن الله لا يستحيي أن يصف شبهاً لما شبه به . الاعراب : وإما إعراب { بعوضة } : فنصب من وجهين على قول الزجاج - احدهما ان تكون { ما } زائدة . كأنه قال : إن الله لا يستحيي أن يضرب بعوضة مثلا أو مثلا بعوضة وتكون { ما } زائدة . نحو قوله : { فبما رحمة من الله } والثاني أن تكون { ما } نكرة . ويكون المعنى : أن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا شيء بعوضة . فكان بعوضة في موضع نصب شيء ، لأنه قال : يستحيي ان ضرب مثلا شيء من الاشياء بعوضة فما فوقها . قال الفراء يجوز أن يكون معنى { ما } بين بعوضة إلى ما فوقها كما يقول القائل : مطرنا ما زبالة فالثعلبية . وله عشرون ما ناقة وجملا . وهي أحسن الناس ما قرنا فقدما . يعنون ما بين في جميع ذلك . وقال بعضهم : { ما } بمعنى الذي . ويكون التقدير الذي هو بعوضة لأنها من صلة الذي ، فأعربها باعرابه . كما قال حسان بن ثابت : @ فكفى بنا فخراً على من غيرنا حب النبي محمد ايانا @@ فأعرب ( غيرنا ) باعراب ( من ) ويجوز ذلك في من وما ، لأنهما يكونان تارة معرفة وتارة نكرة . والبعوضة : من صغار البق . وقوله : { فما فوقها } في الصغر والقلة . كما يقول القائل : إن هذا الأمر لصغير ، فيقول المجيب : وفوق ذلك أي هو أصغر مما قلت . وكلاهما جائز فمن قال بالأول ، قال : لأن البعوضة غاية في الصغر ومن قال بالثاني ، قال : يجوز أن يكون ما هو أصغر منها وحكي عن رؤبة ابن العجاج : انه رفع بعوضة وانشد بيت النابغة : @ قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد @@ بالرفع فأعمل ما ولم يعمل ليت قال : وهي لغة تميم يعملون آخر الأداتين وقال الزّجاج : الرفع كان يجوز وما قرىء به اذا كانت " ما " بمعنى الذي ، ويقدر بعدها هو ويكون تقديره مثلا الذي هو بعوضة كمن قرأ تماماً على الذي هو أحسن وقد قرىء به وهو ضعيف عند سيبويه وفي الذي اقوى ، لأنه أطول ، ولأنها لا تستعمل ألا في الاسماء وقوله : { فأما الذين } لغة العرب جميعاً بالتشديد . وكثير من بني عامر وتميم يقولون أيما فلان ففعل الله به وانشد بعضهم : @ مبتلة هيفاء أيما وشاحها فيجري وايما الحجل منها فلا يجري @@ { آمنوا فيعلمون أنه الحق } الفاء جواب ( أما ) وفيها معنى الشرط والجزاء والمعنى : ان المؤمنين بالله على الحقيقة يعلمون أن هذا المثل حق من عند الله وأنه من كلامه . { وأما الذين كفروا } يعني الجاحدين ، { فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا } على ما بيناه . وانتصب { مثلا } عند تغلب بانه قطع . وعند غيره انه تفسير . وقال قوم : إنه نصب على الحال . وذا مع ما بمعنى أي شيء الذي أراد الله بهذا مثلا . فعلى هذا يكون الجواب رفعاً ، كقولك : البيان لحال الذي ضرب له المثل . ويحتمل أن يكون وقعا ذا وما بمنزلة اسم واحد فيكون الجواب نصباً كقولك : البيان لحال الممثل به . ورد القرآن بهما جميعاً قال تعالى : { ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا } وفي موضع آخر : { ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين } ذكرهما سيبويه ، والأخفش وهذا إشارة إلى المثل . ومثلا ما ؛ نون التنوين تدغم في الميم عند جميع القراء . ويكره الوقف فيها على قوله : { لا يستحيي } ثم يقول : { أن يضرب مثلا } وكذلك على قوله : { والله لا يستحيي } ثم يقول : { من الحق } . وقوله : { يضل به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين } . إن قيل : أليس تقولون : إن الله لا يضل أحداً ، ولا يهدي خلقاً ، وإن العباد هم يضلون انفسهم ويهدونها ، وهم يضلون من شاءوا ويهدون من شاءوا . وقد قال الله تعالى : في غير موضع من كتابه نحو قوله : { يضل من يشاء ويهدي من يشاء } ، ولا يمكنكم ان تقولوا : إن المراد بالاضلال العقوبة والتسمية ، لأنه لو قال : يضل كثيراً ويهدي كثيراً ، كان ذلك ممكناً ، لكنه قال : { يضل به } و { يهدي به } والهاء راجعة إلى القرآن ، والمثل الذي ضربه فيه . ولا يجوز أن يعاقب بالمثل ، ولا أن يسمى بالمثل . فعلم بذلك أنه أراد أنه ليس عليهم وجعله حيرة لهم قلنا اول ما في ذلك انا لا نطلق أن الله لا يضل احداً ولا يهدي احداً . ومن اطلق ذلك ، فقد اخطأ . ولا نقول ايضاً إن العباد يضلون انفسهم ويهدونها مطلقاً او يضلون غيرهم ويهدونه . فان إطلاق جميع ذلك خطأ ، بل نقول : إن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء . ونقول : إن من اضله الله فهو الضال ومن هداه فهو المهتدي ، ولكن لا نريد بذلك ما يريده المخالف مما يؤدي الى التظليم والتجوير لله في حكمه والمخالف يقول : إن الله يضل كثيراً من خلقه بمعنى انه يصدهم عن طاعته ، ويحول بينهم وبين معرفته ، ويلبس عليهم الأمور ويحيرهم ويغالطهم ، ويشككهم ويوقفهم في الضلالة ، ويجبرهم عليها . ومنهم من يقول : يخلقها فيهم ، ويخلق فيهم قدرة موجبة له ، ويمنعهم الأمر الذي به يخرجون منها ، فيصفون الله تعالى باقبح الصفات وأخسها . وقالوا فيه بشرّ الأقوال . وقلنا نحن : إن الله قد هدى قوماً واضل آخرين ، وأنه يضل من يشاء . غير أن لفضله وكرمه ، وعدله ورحمته لا يشاء أن يضل إلا من ضل وكفر وترك طريق الهدى وإنه لا يشاء ان يضل المهتدين والمتمسكين بطاعته ، بل شاء أن يهديهم ويزيدهم هدى ، فانه يهدي المؤمنين بان يخرجهم من الظلمات إلى النور . كما قال تعالى : { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم } وقال : { ومن يؤمن بالله يهد قلبه } وقال : { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور } وقال : { يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين . الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون } وقال : { ويضل الله الظالمين } والاضلال على وجوه كثيرة منها : ما نسبه الله تعالى إلى الشيطان : وهو الصد عن الخير والرشد والدعاء إلى الفساد والضلال ، وتزيين ذلك ، والحث عليه . وهذا ينزه الله تعالى عنه . ومنها التشديد الامتحان والاختبار اللذين يكون عندهما الضلال ويعقبهما ونظير ذلك في اللغة أن يسأل الرجل غيره شيئاً نفيساً خطيراً يثقل على طباعه بذله فاذا بخل به ، قيل له نشهد لقد بخل به فلان . وليس يريدون بذلك عيب السائل وانما يريدون عيب الباخل المسؤول ، لكن لما كان بخل المسؤول ظهر عند مسألة السائل جاز أن يقال في اللغة : انه بخلك . ويقولون للرجل اذا أدخل الفضة النار ليعلم فسادها من صلاحها ، وظهر فسادها : أفسدت فضتك ، ولا يرون أنه فعل فيها فساداً ، وإنما يريدون ان فسادها ظهر عند محنته . ويقرب من ذلك قولهم : فلان أضل ناقته ، ولا يريدون انه أراد أن يضل ، بل يكون قد بالغ في الاستتار منها وانما يريدون ضلت منه لا من غيره . ويقولون افسدت فلانة فلانا ، واذهبت عقله وهي لا تعرفه ، لكنه لما فسد وذهب عقله من أجلها ، وعند رؤيته إياها قيل : قد افسدت ، واذهبت عقله . ومنها التخلية على جهة العقوبة وترك المنع بالقهر والاجبار ، ومنع الالطاف التي يؤتيها المؤمنين جزاء على ايمانهم . كما يقول القائل لغيره افسدت سيفك ، اذا ترك أن يصلحه . لا يريد أنه أراد أن يفسد أو أراد سبب فساده ، أولم يحب صلاحه ، لكنه تركه فلم يحدث فيه الاصلاح في وقت بالصقل والاحداد . وكذلك قولهم : جعلت اظافيرك سلاحاً . وانما يريدون تركت تقليمها . ومنها التسمية بالاضلال والحكم به كافراً . يقال : أضله اذا سماه ضالا . كما يقولون : أكفره اذا سماه كافراً ، ونسبه اليه . قال الكميت : @ وطائفة قد أكفروني بحبكم وطائفة قالوا : مسيء ومذنب @@ ومنها الاهلاك والتدمير . قال الله تعالى : { أإذا ضللنا في الأرض } أي هلكنا . فيجوز أن يكون أراد بالآية : حكم الله على الكافرين ، وبراءته منهم ولعنه إياهم إهلاكا لهم ، ويكون اضلاله إضلالا كما كان الضلال هلاكا . واذا كان الضلال ينصرف على هذه الوجوه ، فلا يجوز أن ينسب إلى الله تعالى اقبحها وهو ما أضافه إلى الشيطان ، بل ينبغي أن ينسب اليه أحسنها وأجلها . واذا ثبتت هذه الجملة ، رجعنا إلى تأويل الآية ، وهو قوله : { يضل به كثيراً } معناه أن الكافرين لما ضرب الله لهم الامثال قالوا : ما الحاجة اليها ؟ قال الله تعالى : فيها اعظم الفائدة : لأنها محنة واختبار . وبهما يستحق الثواب ، ويوصل إلى النعيم . فسمى المحنة اضلالا وهداية ، لأن المحنة إذا اشتدت على الممتحن وثقلت فضل عندها ، جاز أن تسمى اضلالا ، فاذا سهلت فاهتدى عندها ، سميت هداية ، كما أن الرجل يقول لصاحبه : ما يفعل فلان ؟ فيقول هو ذا . يسخي قوماً ويبخل قوماً آخرين أي يسأل قوماً فيشتد عليهم للعطاء فيبخلون ، ويسأل آخرين ، فيسهل عليهم فيعطون ويجودون ، فسمي سؤاله باسم ما يقع عنده ويعقبه . فمعنى قوله : { يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً } أي يمتحن به عباده ، فيضل به قوم كثير ، ويهتدي به قوم كثير . ولا يجب على ذلك أن يكون أراد إضلالهم . كما لا يجب ذلك في السائل الذي لا يريد بخل المسئول ، بل يريد إعطاءه فان قيل : أليس الله تعالى امتحن بهذه الأمثال المؤمنين كما امتحن بها الكافرين ، فيجب أن يكون مضلا لهم ؟ قلنا : إنما سمى المحنة الشديدة إضلالا إذا وقع عندها الضلال كما أن السؤال يسمى تبخيلا إذا وقع عنده البخل . وقال قوم : معنى قوله : { يضل به كثيراً } يعني يضل بالتكذيب بهذه الأمثال كثيراً ويهدي بالايمان كثيراً ، لأنه لو كان سبباً للضلال لما وصفه الله بأنه هدى وبيان وشفاء لما في الصدور . وحذف التكذيب والاقرار اختصاراً ، لأن في الكلام ما يدل عليه . كما يقول القائل : نزل السلطان فسعد به قوم وشقي به آخرون . وانما يراد به سعد باحسانه قوم وشقي باساءته آخرون . لا بنزول جيشه ، لأنه نفسه لا يقع به سعادة ولا شقاء . وكما قال : { وأشربوا في قلوبهم العجل } وانما أراد حب العجل . وذلك كثير . وقد بينا أن الاضلال والهداية يعبر بهما عن العذاب والثواب ، فعلى هذا يكون تقدير الآية : يضل أي يعذب بتكذيب القرآن ، والأمثال كثيراً ، ويهدي أي يثيب بالاقرار به كثيراً . والدليل على ما قلناه قوله : { وما يضل به إلا الفاسقين } فلا يخلو أن يكون أراد ما قلناه من العقوبة على التكذيب ، أو أراد به الحيرة والتشكيك ، وقد ذكرنا انه لا يفعل الحيرة المتقدمة التي بها صاروا ضلالا فساقاً ، لم يفعلها الله إلا بحيرة قبلها ، وهذا يوجب ما لا نهاية له من حيرة قبل حيرة ، لا إلى أول ، أو اثبات إضلال لا إضلال قبله ، فان كان الله قد فعل هذا الضلال الذي لم يقع قبله ضلال فقد أضل من لم يكن فاسقاً ، وهذا خلاف قوله : { وما يضل به إلا الفاسقين } فثبت أنه أراد أنه لا يعاقب إلا الفاسقين ، كما قال : { ويضل الله الظالمين ويفعل ما يشاء } وحكى الفراء وجهاً آخواً مليحاً ، قال : قوله { ماذا أراد الله بهذا مثلا ، يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً } حكاية عمن قال ذلك ، كأنهم قالوا : ماذا أراد بهذا مثلا يضل به كثيراً ، أي يضل به قوم ويهدي به قوم ، ثم قال الله : { وما يضل به إلا الفاسقين } فبين عز وجل الاضلال ، وأنه لا يضل إلا ضالا فاسقاً ، واقتصر على الاخبار عنهم وبيان ما بين الاضلال دون ما أراد بالمثل ، وهذا وجه حسن تزول معه الشبهة . وأصل الفسق في اللغة الخروج عن الشيء ، يقال منه : فسقت الرطبة إذا اخرجت من قشرها ، ومن ذلك سميت الفارة فويسقة ، لخروجها من حجرها ، ولذك سمي المنافق والكافر فاسقين لخروجهما عن طاعة الله ، ولذلك قال الله تعالى في صفة إبليس : { إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه } يعني خرج من طاعته واتباع أمره .