Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 35-35)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

السكون والثبوت والهدوء نظائر ، ومثله الاستقرار والاطمئنان والثبات . والمسكن والمأوى والمثوى بمعنى ( واحد ) ، تقول : سكن يسكن سكونا إذ لبث في المكان وسكن إذا سكت . سكن الريح ، وسكن المطر ، وسكن الغضب . والسكن هم العيال وهم أهل البيت . قال سلامة بن المجندل : @ ليس بأسفى ولا أفنى ولا سغل يسقي دواء قفي السكن مربوب @@ والمسكن المنزل ، والسكن السكان ، والسكن ان يسكن إنسان منزلا بلا كراء والسكينة : الموادعة والوقار . والسكن : الرحمة والبركة ، كقوله : { إن صلاتك سكن لهم } والمسكين : الذي لا شيء له عند ابي عبيدة ـ ، والفقير : الذي له شيء وان كان قليلا قال الشاعر : @ أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سيد @@ وقوله تعالى : { أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } قال ابو حاتم : أحسنه أنهم كانوا شركاء في سفينة لا يملكون سواها . فهذا يخالف أبا عبيدة وسكان السفينة معروف عربي اشتقاقه من انها تسكن به عن الحركة والاضطراب . ومعنى { اسكن أنت وزوجك الجنة } : اجعله مأوى تأوي فيه وتسكن اليه ، وقد اعظم الله النعمة على آدم بما اختصه من علمه ، وأسجد له ملائكته واسكنه جنته ، وتلك نعمة على ولده ، فالزمهم الشكر عليها ، والقيام بحقها . والجنة التي اسكن فيها آدم ، قال قوم : هي بستان من بساتين الدنيا ، لأن جنة الخلد لا يصل اليها إبليس ووسوسته ، واستدل البلخي على انها لم تكن جنة الخلد بقوله تعالى حكاية عن ابليس لما اغوى آدم ، قال له : { هل أدلك على شجرة الخلد } ؟ فلو كانت جنة الخلد لكان عالماً بها ، فلم يحتج إلى دلالة . وقال الحسن البصري وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء واكثر المعتزلة كأبي على والرماني وابي بكر بن الاخشيد وعليه اكثر المفسرين : انها كانت جنة الخلد ؛ لأن الألف واللام للتعريف وصار كالعلم عليها قالوا : ويجوز ان يكون وسوسة ابليس من خارج الجنة ، فيسمعان خطابه ويفهمان كلامه ، قالوا : وقول من يقول : ان جنة الخلد من يدخلها لا يخرج منها لا يصح ، لأن معنى ذلك إذا استقر اهل الجنة في الجنة للثواب ، وأهل النار فيها للعقاب لا يخرجون منها ، واما قبل ذلك فانها تغنى لقوله تعالى : { كل شيء هالك إلا وجهه } . { وزوجك الجنة } الزوج : بطرح الهاء قال الأصمعي : هو أكثر كلام العرب ، وقال الكسائي : اكثر كلام العرب بالهاء ، وطرح الهاء لغة لأزد شنوءة ، ولفظ القرآن لم يجىء إلا بطرح الهاء . وقال المبرد : الوجه طرح الهاء من الزوجة وأنشد : @ وأراكم لدى المحاماة عندي مثل صوت الرجال للازواج @@ جمع زوج ، ولا يجوز ان يكون جمع زوجة . وقال الرماني : قول الاصمعي أجود ، لأن لفظ القرآن عليه ، والعلة في ذلك انه لما كانت الاضافة تلزم الاسم في اكثر الكلام كانت مشبهة له ، وكانت بطرح الهاء افصح وأخف مع الاستغناء بدلالة الاضافة عن دلالة هاء التأنيث . وقوله تعالى : { وكلا } فالأكل والمضغ واللقم متقاربة ، وضد الأكل الازم . وسأل عمر بن الخطاب الحارث بن كلدة طبيب العرب ، فقال له : يا حار ما الدواء ؟ فقال : الازم ، أي ترك الأكل . والأكلة مرة ، والأكلة اسم كاللقمة والاكولة الشاة ، والغنم التي ترعى للأكل لا للنسل ، والأكال : أن يتأكل عود أو شيء وأكيل الرجل : مآكله واكيل الذئب : الشاة وغيرها إذا أردت المأكولة وإذا أردت به إسماً قلت : اكيلة ذئب . والمأكلة : ما جعل للانسان لا يحاسب عليه . ورجل وامرأة أكول : كثير الاكل . والمأكل كالمطعم والمشرب . والمأكل : المطعم . وأصل الباب الأكل وهو المضغ لذي الطعم . ويقال الذي يشترك فيه الحيوان كله فيه سوى الملائكة . المأكل والمنكح والمشرب . و " الرغد " النفع الواسع الكثير الذي ليس فيه عناء . وقال صاحب العين : عيش رغد ورغيد : رفيه وقوم رغد ونساء رغد قال امرؤ القيس بن حجر : @ بينما المرء تراه ناعماً يأمن الأحداث في عيش رغد @@ والرغيدة : الزبدة في بعض اللغات . وأرغد الرجل ماشيته : إذا تركها وسومها والمشيئة والارادة بمعنى واحد وكذلك المحبة والاختيار وان كان لها شروط ذكرناها في الاصول . { ولا تقربا } القرب والدنو والمجاورة متقاربة المعنى وضد البعد يقال : قرب يقرب قرباً واقترب اقتراباً . قال صاحب العين : القرب طلب الماء يقال : قرب الماء يقرب وقد قربه قرباً إذا طلبه ليلا ولا يقال لطالب الماء نهاراً قارب والقراب للسيف والسكين والفعل منه : قربت قراباً وقيل قربت اقرابا . والقربان : ما تقربت به إلى الله تعالى وقربان الملك وقرابينه : وزراؤه . والقربى : حق ذي القرابة . وقرب فلان اهله : اذا غشيها قربانا . وما قربت هذا الأمر ولا فلانا قربانا وقربى . والشجرة : كل ما قام على ساق من النبات . وهو اسم يعم النخلة والكرمة وغيرهما . وما لم يقم على ساق لا يسمى شجراً كالبقل والحشيش . واما اليقطين كالقرع والبطيخ فقد سميّ شجراً . قال الله تعالى : { وأنبتنا عليه شجرة من يقطين } قال صاحب العين : الشجرة واحدة تجمع على الشجر والشجرات والأشجار واختلفوا في الشجرة التي نهى الله آدم عنها . فقال ابن عباس : هي السنبلة وقال ابن مسعود والسدي وجعفر بن زهير : هي الكرمة . وقال ابن جريج هي التينة وروي عن علي ( عليه السلام ) انه قال : شجرة الكافور وقال الكلبي : شجرة العلم على الخير والشر . وقال ابن جذعان : هي شجرة الخلد التي كان يأكل منها الملائكة . والاقاويل الثلاثة الأولة اقرب . { فتكونا من الظالمين } الظلم والجور والعدوان متقاربة . وضد الظلم الانصاف وضد الجور العدل . واصل الظلم انتقاص الحق لقوله تعالى : { كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا } أي لم تنقص . وقيل : أصله وضع الشيء في غير موضعه من قولهم : من يشبه أباه فما ظلم أي فما وضع الشبه في غير موضعه . وكلاهما مطرد وعلى الوجهين فالظلم اسم ذم . ولا يجوز أن يطلق إلا على مستحق اللعن لقوله : { ألا لعنة الله على الظالمين } ولا يجوز اطلاقه على انبياء الله تعالى ولا الائمة المعصومين وظالم ومسئ وجائر : اسماء ذم وهو فاعل لما يستحق به الذم من الضرر وضدها عادل ومنصف ومحسن وهي من صفات المدح . ويقول المعتزلة لصاحب الصغيرة : ظالم لنفسه . ومن نفى الصغيرة عن الانبياء من الامامية قال : يجوز أن يقال : ظالم لنفسه اذا بخسها الثواب . كقوله { ظلمت نفسي } وقوله : { إني كنت من الظالمين } حكاية عن يونس من حيث بخس نفسه الثواب بترك المندوب اليه . والظلم هو الضرر المحض الذي لا نفع فيه أو عليه آجلا ، ولا فيه دفع ضرر اعظم منه ولا هو واقع على وجه المدافعة ، ولا هو مستحق . فما هذه صفته يستحق به الذم اذا وقع من مختار عالم أو متمكن من العلم به . وروي ان الله تعالى ألقى على آدم النوم ، وأخذ منه ضلعاً فخلق منه حواء . وليس يمتنع أن يخلق الله حواء من جملة جسد آدم بعد أن لا يكون جزء ، أو مما لا يتم كون الحي حياً إلا معه ، لأن ما هذه صفته لا يجوز أن ينقل إلى غيره ، أو يخلق منه حي آخر من حيث يؤدي إلى أن لا يصل الثواب إلى مستحقه ، لأن المستحق لتلك الجملة باجمعها وهذا قول الرماني وغيره من المفسرين ، ولذلك قيل للمرأة : ضلع اعوج . وقيل سميت امرأة لأنها خلقت من المرء فأما تسميتها حواء : لما أدخل آدم الجنة واخرج منها إبليس ولعن وطرد فاستوحش : فخلقت ليسكن اليها . فقالت له الملائكة تجربة لعلمه : ما اسمها ؟ قال حواء . قالوا لم سميت حواء ؟ قال : لأنها خلقت من شيء حي . وقال ابن اسحاق : خلقت من ضلعه قبل دخوله الجنه ، ثم دخلا جميعاً الجنة لقوله تعالى : { يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة } التي كان فيها آدم في السماء ، لأنه اهبطهما منها . وقال ابو مسلم محمد بن يحيى : هي في الأرض ، لأنه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهاهما عنها دون غيرها من الثمار . و { حيث } مبنية على الضم كما تبنى الغاية : نحو من قبل ومن بعد ، لأنه منع من الاضافة [ إلى المفرد ] كما منعت الغاية من الاضافة إلى مفرد . وقوله : { ولا تقربا هذه الشجرة } صيغته صيغة النهي . والمراد به الندب عندنا لأنه دل الدليل على أن النهي لا يكون نهياً الى بكراهته للمنهي عنه . والله تعالى لا يكره إلا القبيح . والانبياء لا يجوز عليهم القبائح : صغيرها ولا كبيرها . وقالت المعتزلة : إن تلك كانت صغيرة من آدم على اختلافهم في انه كان منه عمداً أو سهواً أو تأويلا وانما قلنا لا يجوز عليهم القبائح ، لأنها لو جازت عليهم لوجب أن يستحقوا بها ذماً ، وعقابا وبراءة ولعنة ، لأن المعاصي كلها كبائر عندنا والاحباط باطل ولو جاز ذلك لنفر عن قبول قولهم . وذلك لا يجوز عليهم كما لا يجوز كل منفر عنهم من الكبائر والخلق المشوهة والاخلاق المنفرة . ولا خلاف أن النهي يتناول الأكل دون القرب كأنه قال : لا تقربا بالاكل لأنه لا خلاف أن المخالفة وقعت بالأكل لا بالدنو منها ولذلك قال : { فأكلا منها فبدت لهما سوأتهما } وقوله : { فتكونا } يحتمل أن يكون جواباً للنهي فيكون موضعه نصباً . وهو الأقوى ويحتمل أن يكون عطفاً على النهي فيكون موضعه جزماً وكلاهما جيد محتمل ومتى كان جواباً كان تقديره : إن قربتما كنتما من الظالمين ، لأنه يتضمن معنى الجواب واذا كان عطفاً على النهي فكأنه قال : لا تكونا من الظالمين . واجاز البصريون من اهل العدل أن يبتدىء الله الخلق في الجنة فينعمهم فيها تفضلا منه لا على وجه الثواب ، لأن ذلك نعمة منه تعالى كما أن خلقهم وتكليفهم وتعريضهم للثواب نعمة منه ، وله أن يفعل ما يشاء من ذلك وقال ابو القاسم البلخي : لا يجوز خلقهم في الجنة ابتداء ، لأنه لو جاز ذلك ، لما خلقهم في دار المحنة ، ولما ابتلى من يعلم أنه يكفر ويصير إلى عذابه وانما لم يجز أن يخلقهم ابتداء في الجنة ، لأنه لو خلقهم فيها ، لم يخل : إما أن يكونوا متعبدين بالمعرفة لله والشكر ، أو لا يكونوا كذلك فلو كانوا غير متبعبدين ، كانوا مهملين ولذلك لا يجوز ولو كانوا متعبدين لم يكن بد من ترغيب وترهيب ووعد ، ووعيد ولو كانوا كذلك كانوا على ما هم عليه في دار الدنيا وكان لا بد من دار أخرى يجازون فيها ويخلدون واجاب عن ذلك الاولون بان قالوا : لو ابتدأ خلقهم في الجنة لاضطرهم إلى معرفته ، والجأهم إلى فعل الحسن وترك القبيح ومتى راموا القبيح ، منعوا منه فلا يؤدي ذلك إلى ما قاله : كالحور العين والاطفال والبهائم اذا حشرهم يوم القيامة .