Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 36-36)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القراءة : قرأ حمزة وحده " وأزالهما " بألف وتخفيف اللام . الباقون بتشديد اللام وحذف الألف . اللغة : الزلة والمعصية والخطيئة والسيئة بمعنى واحد وضد الخطيئة الاصابة ويقال : زل زلة ، وأزله إزلالا ، واستزله استزلالا وقال صاحب العين : زل السهم عن النزع زليلا وزل فلان عن الصخر زليلا فاذا زلت قدمه ، قلت : زل زلا فاذا زل في مقالة أو خطبة ، قلت : زل زلة . قال الشاعر : @ هلا على غيري جعلت الزلة @@ وأزله الشيطان عن الحق : إذ أزاله . والمزلة : المكان الدحض . والمزلة : الزلل في الدحض . والزلل : مثل الزلة في الخطأ . والازلال : الانعام وفي الحديث : " من أزلت إليه نعمة فليشكرها " بمعنى أسديت . قال كثير : @ وإني وإن صدت لمثن وصادق عليها بما كانت إلينا أزلت @@ ويقال : أزللت إلى فلان نعمة ، فأنا أزلها إزلالا . فالأصل في ذلك الزوال . والزلة : زوال عن الحق . ومعنى " أزالهما " : نحاهما . من قولك : زلت عن المكان : اذا تنحيت منه . والوجه ما عليه القراء لأن هذا يؤدي إلى التكرار ، لأنه قال بعد ذلك { فأخرجهما } فيصير تقدير الكلام : فأخرجهما الشيطان عنها فأخرجهما . وذلك لا يجوز . ويحسن أن يقول : استزلهما فأخرجهما . ومن قرأ : " أزالهما " ، أراد المقابلة بين قوله : " أزالهما " وبين قوله : { اسكن } ، لأن معناه : اسكن واثبت انت وزوجك . وتقديره : اثبتا ، فأراد أن يقابل ذلك فقال : " فأزالهما " فقابل الزوال بالثبات وإنما نسب الازلال والاخراج إلى الشيطان لما وقع ذلك بدعائه ووسوسته وإعوائه . ولم يكن إخراجهما من الجنة على وجه العقوبة ، لأنا قد بينا أن الأنبياء لا يجوز عليهم القبائح على حال ومن أجاز عليهم العقاب ، فقد أعظم الفرية وقبح الذكر على الأنبياء . وإنما أخرجهم من الجنة ، لأنه تغيرت المصلحة لما تناول من الشجرة ، واقتضى التدبير والحكمة تكليفه في الأرض وسلبه ما ألبسه الله ( تعالى ) من لباس الجنة . وقال قوم : إن إلباس الله له ثياب الجنة كان تفضلا . وللمتفضل أن يمنع ذلك تشديداً للمحنة . كما يفقر بعد الغنى ، ويميت بعد الاحياء ، ويسقم بعد الصحة . فان قيل : كيف وصل إبليس إلى آدم حتى أغواه ووسوس اليه . وآدم كان في الجنة ، وابليس قد أخرج منها حين تأبي من السجود ؟ قيل : عن ذلك أجوبة : أحدها ان آدم كان يخرج إلى باب الجنة ، وابليس لم يكن ممنوعاً من الدنو منه ، وكان يكلمه ويغويه . [ الثاني ] وقال آخرون : انه كلمهما من الأرض بكلام فهماه منه وعرفاه . [ والثالث ] قال قوم : إنه دخل في فقم الحية ، وخاطبها من فقمها . والفقم : جانب الشدق . [ والرابع ] قال قوم : راسلهما بالخطاب . وظاهر الكلام يدل على أنه شافههما بالخطاب . [ والخامس ] وقال قوم : يجوز أن يكون قرب من السماء فكلمهما . فأما ما روي عن سعيد بن المسيب : أنه كان يحلف ولا يستثني ، أن آدم ما أكل من الشجرة وهو يعقل ، ولكن حواء سقته الخمر حتى إذا سكر ، قادته اليها فأكل . ـ فانه خبر ضعيف . وعند اصحابنا ، أن الخمرة كانت محرمة في سائر الشرائع ومن لم يقل ذلك ، يقول : لو كان كذلك ، لما توجه العتب على آدم ، ولا كان عاصياً بذلك . والأمر بخلاف ذلك . وانما قلنا ذلك : لأن النائم غير مكلف في حال نومه ، لزوال عقله ، وكذلك المغمى عليه ، وكذلك السكران وانما يؤاخذ السكران بما يفعله في شرعنا ، لما ثبت تحريم ما يتناوله اسم المسكر . والا فحكمه حكم النائم عقلا . وقد قلنا : إن أكلهما من الشجرة كان على وجه الندب ، دون أن يكون ذلك محظوراً عليهما ، لكن لما خالفا في ترك المندوب اليه تغيرت المصلحة ، واقتضت إخراجهما من الجنة وقد دللنا على ذلك في ما مضى . [ والسادس ] وقال قوم : تعمد ذلك . [ والسابع ] وقال قوم آخرون : نُهي عن جنس الشجرة ، واخطأ . [ والثامن ] وقال قوم : إنه تأول النهي الحقيقي ، فحمله على الندب وأخطأ . وقد قدمنا ما عندنا فيه . فان قيل : كيف يكون ذلك ترك الندب مع قوله : { فتلقى آدم من ربه كلماتٍ فتاب عليه } ؟ قلنا التوبة : قيل الرجوع ويجوز ان يرجع تارك الندب عن ذلك ، … يكون تائباً . ومن قال : وقعت معصيته محبطة … بها يخرج عن الاصرار . كما لحد … الأولى اسقطت العقاب … وابليس يقول لهما : { ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين . وقاسمهما : إني لكما لمن الناصحين } قيل : ما قبلا ذلك من إبليس ، ولو قبلاه لكانت المعصية أعظم . فلما لم يعاتبهما الله على ترك ذلك ، دل على أنهما لم يقبلا . وهذا جواب من يقول : انه كان صغيراً ، أو كان ناسياً . وعلى ما قلناه أن ذلك كان ندباً لا يحتاج إلى ذلك ، بل دليل العقل أمننا من وقوع قبيح من آدم ، والانبياء . فلو كان صريحاً ، لتركنا ظاهره لقيام الدليل على خلافه . على أنه لا يمنع أن يقاسمهما : إنه لمن الناصحين في ترك الندب . وإنما ظاهر النهي تركه يوجب أن يصيرا من الخالدين . وقوله { مما كانا فيه } يحتمل أن يكون أراد : من لباسهما حتى بدت لهما سوآتهما ويحتمل أن يكون من الجنة ، حتي أهبطا . ويحتمل أن يكون أراد : من الطاعة ألى المعصية . اللغة : وقوله : { اهبطوا } فالهبوط والنزول والوقوع نظائر . ونقيض الهبوط والنزول الصعود . يقال : هبط يهبط : اذا انحدر في هبوط من صعود . والهبوط اسم كالحدور ، وهو الموضع الذي يهبط من اعلى إلى اسفل . والهبوط : المصدر . قال ابن دريد : هبطته واهبطته . والعداوة ، والبراءة ، والمباعدة ، نظائر . وضد العدو ، الوليّ . والعدو : الحُضر خفيف والعدو : ثقيل يقال في التعدي . وقرىء : { فيسبّوا الله عدواً وعُددُوّاً بغير علم } والعدوان : الظلم . والعدوى : طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك أي ينتقم لك والعدو اسم جامع للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث . فاذا جعلته نعتاً ، قلت : الرجلان عدوّاك ، والرجال اعداؤك ، والمرأتان عدوتاك ، والنسوة عدوَّاتك . وأصل الباب : المجاوزة . يقال : لا يعدوَّنك هذا الأمر أي يتجاوزَّنك . المعنى : وقوله : { اهبطوا } انما قال بالجمع ، لأنه يحتمل اشياء : احدها أنه خاطب آدم وحواء وابليس ، فيصلح ذلك ، وان كان ابليس أهبط من قبلهما . يقال : أخرج جمع من الجيش وان خرجوا متفرقين ـ . اختار هذا الزجاج . والثاني أنه أراد آدم وحواء والحية . والثالث آدم وحواء وذريتهما . والرابع قال الحسن : إنه أراد آدم وحواء والوسوسة . وظاهر القول وان كان أمراً فالمراد به التهديد . كما قال : { اعملوا ما شئتم } . وقوله : { مستقر } قرار ، لقوله : { جعل لكم الأرض قراراً } وقيل : مستقر في القبور والأول أقوى وأحسن . اللغة : والقرار : الثبات ، والبقاء مثله . وضد القرار الانزعاج . وضد الثبات الزوال وضد البقاء الفناء . ويقال : قرَّ قراراً . والاستقرار : الكون من وقت واحد على حال . " والمستقرّ " يحتمل أن يكون بمعنى الاستقرار ، ويحتمل أن يكون بمعنى المكان الذي يستقرُّ فيه . وقوله : { ومتاع إلى حين } والمتاع والتمتع والتلذذ والمتعة متقاربة المعنى . وضدها التألم . يقال : أمتعه به إمتاعاً ، وتمتع تمتعاً ، واستمتع استمتاعاً ، ومتعه تمتيعاً ، ومتع النهار متوعاً وذلك قبل الزوال والمتاع من أمتعة البيت : ما يتمتع به الانسان من حوائجه . وكل شيء تمتعت به فهو متاع . ومنه متعة النكاح ، ومتعة المطلقة ، ومتعة الحج . وقوله : { إلى حين } فالحين ، والمدة والزمان ، متقاربة . والحين الهلاك حان يحين . وكل شيء لم يوفق للرشاد ، فقد حان حينا والحين : الوقت من الزمان وجمعه أحيان . وجمع الجمع ، أحايين . ويقال : حان يحين حينونةً . وحينت الشيء : جعلت له حيناً . وحينئذ : يبعد قولك : الآن . فاذا باعدوا بين الوقتين ، باعدوا بـ ( إذ ) فقالوا : حينئذ . والحين : يوم القيامة . وأصل الباب ، الوقت . والحين : وقت الهلاك . ثم كثر ، فسمي الهلاك به . والحين : الوقت الطويل . المعنى : وقيل : الـ { حين } في الآية يعني الموت . وقيل إلى يوم القيامة . وقيل : إلى أجل . وقال ابن سراج : إذا قيل : { ولكم في الأرض مستقر ومتاع } لَظن أنه غير منقطع . فقال : { إلى حين } انقطاعه . والفرق بين قول القائل : هذا لك حيناً ، وبين قوله : إلى حين . أن إلى تدل على الانتهاء ، ولا بد أن يكون له ابتداء وليس كذلك الوجه الآخر . معنى قوله : { بعضكم لِبعضٍ عدوٌّ } . قال الحسن : يعني بني آدم ، وبني إبليس وليس ذلك بأمر على الحقيقة ، بل هو تحذير ، لأن الله لا يأمر بالعداوة . وفي الآية دلالةٌ على أن الله تعالى لا يريد المعصية . ولا يصدُّ أحداً عن طاعته ، ولا يخرجه عنها . ولا تنسب المعصية إليه ، لأنه نسب ذلك إلى الشيطان ، وهو يتعالى عما عاب به الأبالسة والشياطين .