Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 48-48)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابن كثير وأهل البصرة " لا يقبل منها بالياء " الباقون بالتاء . الاعراب : موضع { لا تجزي } نصب لأنه صفة يوم . والعائد عند الكسائي لا يكون إلا هاء محذوفة من تجزيه وقال بعضهم : لا يجوز إلا فيه : وقال سيبويه والاخفش والزجاج : يجوز الأمران . المعنى : قال ابو علي المعنى في قوله { ولا يقبل منها شفاعة } فمن ذهب إلى ان ( فيه ) محذوفة من قوله { واتقوا يوماً لا تجزي } ، جعل ( فيه ) بعد قوله { ولا يقبل } ومن ذهب إلى انه حذف الجار ، وأوصل الفعل إلى المفعول ، ثم حذف الراجع من الصفة كما يحذف من الصلة ، كان مذهبه في قوله : لا يقبل ايضاً مثله وحذف الهاء من الصفة يحسن كما يحسن حذفها من الصلة ألا ترى ان الفعل لا يتسلط بحذف المفعول منه على الموصوف كما لا يتسلط بذلك على الموصول ؟ ومما حذف منه الراجع إلى الصفة قوله : @ وما شيء حميت بمستباح @@ ومن الحذف قوله : @ تروّحي اجدران تقيلي غدا بجنبي بارد ظليل @@ المعنى : تأتي مكانا اجدران تقيلي فيه فحذف الجار ووصل الفعل ثم حذف الضمير : ونظير الآية قول الراجز : @ قد صبحت صبيحها السلام بكبدٍ خالطها السنام في ساعة يحبها الطعام @@ أي تحب الطعام فيها . اللغة : والمجازاة والمكافأة والمقابلة نظائر . يقال : جزى يجزي جزاء ، وجازاه مجازاة ، وتجازوا تجازيا : قال صاحب العين : المجازاة : المكافأة بالاحسان احساناً وبالاساءة اساءة وفلان : ذو جزاء وذو غناء وتقول هذا الشيء يجزىء عن هذا بهمز وتليين وفي لغة يجزي أي يكفي واصل الباب مقابلة الشيء بالشيء . المعنى : ومعنى قوله { لا تجزي نفس عن نفس شيئاً } أي لا تقابل مكروهها بشيء يدرأه عنها . قال الله تعالى : { هل تجزون إلا ما كنتم تعملون } وقال : { اليوم تجزى كل نفس ما كسبت } والفرق بين المقابلة والمجازاة ان المقابلة قد تكون للمساواة فقط كمقابلة الكتاب بالكتاب والمجازاة تكون في الشر بالشر والخير بالخير . ومعنى قوله { لا تجزي } أي لا تغني وهو قول السدي كما تقول : البقرة تجزي عن سبعة وهي لغة أهل الحجاز . وبنو تميم تجزىء بالهمزة من اجزاه : والأول من جزت وقال الاخفش لا تجزي منها أي لا يكون مكانها بدلا منها وأنكر عليهم ذلك لقوله : { شيئاً } . وجعل الأخفش لا تجزي منها { شيئاً } في موضع المصدر كأنه يقول لا تجزي جزاء ولا تغني غناء قال الرماني والاقرب ان تكون { شيئاً } في موضع حقاً كأنه قيل لا يؤدي عنها حقا وجب عليها . وقال بعضهم { لا تجزي } بمعنى لا تقضي . وقبول الشيء تلقيه والاخذ به وضده الاعراض عنه ومن ثم قيل لتجاه القبلة قبالة . وقالوا : أقبلت المكواة الداء أي جعلتها قبالته ويجوز ان يكون المخاطبون بذلك اليهود ، لأنهم زعموا ان اباءهم الانبياء وتشفع لهم واويسوا بقوله { قل فلم يعذبكم بذنوبكم } وبقوله : { لا يقبل منها شفاعة } والقبول والانقياد والطاعة والاجابة نظائر ونقيضها الامتناع يقال قبل قبولا ، وأقبل اقبالا ، وقابله مقابلة وتقابلوا تقابلا ، واستقبله استقبالا ، وتقبل تقبالا ، وقبله تقبيلا وقبل نقيض بعد والقبل خلاف الدبر والقبل اقبالك على الشيء كأنك لا تريد غيره والقبل الطاقة تقول لا قبل لي أي لا طاقة لي . ومنه قوله : { فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها } والقبل التلقاء تقول لقيته قبلا أي مواجهة واصبت هذا من قبله أي من تلقائه أي من لدنه ومن عنده وقوله : { وحشرنا عليهم كل شيء قبلا } أي قبلا وفسر بعضهم عيانا ، وكل جيل من الناس والجن والقبيلة من قبائل العرب معروفة والكرة يقال لها قبائل . وكل قطعة من الجلد قبيلة . وقبيلة الرأس كل فلقة قد قوبلت بالاخرى وكذلك قبائل العرب والقبال : زمام البغل . يقال : بغل مقبولة ومقبلة . والقبل رأس كل شيء مثل الجبل والاكمة وكثب الرمل . وقبالة كل شيء . ما كان مستقبله ومن الجيران مقابل ومدابر . وشاة مقابلة : اذا قطعت من اذنها قطعة وتركت معلقة من مقدم ، وان كانت من خلف فهي مدابرة واذا ضممت شيئاً إلى شيء قلت قابلته والقابلة هي الليلة : المقبلة . وكذلك العام القابل والمقبل . والقابلة : التي تقبل الولد والقبول من الريح : الصبا لأنها تستقبل الدبور ، وهي تستقبل القبلة من المشرق والقبول : ان تقبل العفو وغير ذلك . وهو اسم المصدر واميت الفعل منه والقبول الاسم . تقول : أفعل هذا من ذي قبل أي من ذي استقيال . والقبلة معروفة والفعل منه التقبيل . والقبلة قبلة الصلاة والتقبل تقبل الشيء تقول : تقبل الله منك وعنك عملك . وتقول : تقبلت فلانا من فلان بقبول حسن ورجل مقابل في كرم وفي شرف من قبل اعمامه واخواله . ورجل مقبل الشاب لم ير فيه اثر من الكبر . والقبيل والدبير : في الجبل فالقبيل الفتل الاول الذي عليه العمامة ، والدبير الفتل الاخر وبعضهم يقول القبيل في قوى الحبل كل قوة على وجهها الداخل قبيل والوجه الخارج : دبير وقد قرىء قبلا وقبلا فمن قرأ قبلاً أراد جمع قبيل ومن قرأ قَبلا أراد مقابلة والقبيل والكفيل واحد وقبيل القوم عريفهم . والباب المقابلة خلاف المدابرة . وأما الشفاعة فهي مأخوذة من الشفع الذي هو خلاف الوتر فكأنه سؤال من الشفيع . شفع : سؤال المشفوع له والشفاعة ، والوسيلة والقربة والوصلة نظائر . ويقال شفع شفاعة وتشفع تشفعاً ، واستشفع استشفاعاً ، وشفعه تشفيعاً والشفع من العدد : ما كان ازواجا تقول كان وتراً فشفعته باخر حتى صار شفعاً ومنه قوله : { والشفع والوتر } قال الشفع : يوم النحر . والوتر : يوم عرفه . وقال بعض المفسرين : الشفع : الحفاء يعني كثرة الخلق والوتر الله والشافع : الطالب لغيره والاسم الشفاعة والطالب : الشفيع والشافع والشفعة في الدار معروفة . وتقول فلان يشفع اليّ بالعداوة أي يعين عليّ ويعاديني وتقول شفعت الرجل : اذا صرت ثانيه وشفعت له : اذا كنت له شافعا . وانما سميت شفعة الدار ، لأن صاحبها يشفع ما له بها ، ويضمها الى ملكه واصل الباب : الزوج من العدد : وقوله { ولا يقبل منها شفاعة } مخصوص عندنا بالكفار ؛ لأن حقيقة الشفاعة عندنا ان يكون في اسقاط المضار دون زيادة المنافع . والمؤمنون عندنا يشفع لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيشفعه الله تعالى ، ويسقط بها العقاب عن المستحقين من أهل الصلوة لما روي من قوله " ع " : ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من امتي : وانما قلنا لا تكون في زياة المنافع ، لأنها لو استعملت في ذلك ، لكان احدنا شافعاً في النبي " صلى الله عليه وسلم " اذا سأل الله ان يزيده في كراماته وذلك خلاف الاجماع فعلم بذلك ان الشفاعة مختصة بما قلناه وعلم بثبوت الشفاعة ان النفي في الآية يختص بالكفار دون أهل القبلة . والآيات الباقيات نتكلم عليها اذا انتهينا اليها ان شاء الله . والشفاعة ثبت عندنا للنبي " صلى الله عليه وسلم " وكثير من اصحابه ولجميع الائمة المعصومين وكثير من المؤمنين الصالحين . وقيل ان نفي الشفاعة في هذه الآية يختص باليهود من بني اسرائيل ، لأنهم ادعوا انهم ابناء الله واحباؤه واولاد انبيائه ، وان اباءهم يشفعون اليه فايسهم الله من ذلك ، فاخرج الكلام مخرج العموم . والمراد به الخصوص . ولا بد من تخصيص الآية لكل احد ، لأن المعتزلة والقائلين بالوعيد يثبتون شفاعة مقبولة وان قالوا انها في زيادة المنافع واصل الشفاعة ان يشفع الواحد للواحد فيصير شفعا . ومنه الشفيع لأنه يصل جناح الطالب ويصير ثانياً له . والذي يدل على ان الشفاعة في اسقاط الضرر قول شاعر غطفان انشده المبرد : @ وقالوا اتعلم ان مالك ان تصب يفدك وان يحبس بديل ويشفع @@ واستعملت في زيادة المنافع ايضاً وان كان مجازاً لما مضى قال الحطيئة في طلب الخير : @ وذاك امرؤ ان تاته في صنيعة إلى ما له لم تأته بشفيع @@ وقد استعملت الشفاعة بمعنى المعاونة انشد بعضهم للنابغة : @ اتاك امرؤ مستعلن لي بغصة له من عدو مثل مالك شافع @@ أي معين وقال الاحوص : @ كأن من لامني لاصرمها كانوا لليلى بلومهم شفعوا @@ أي تعاونوا . قوله : { لا يؤخذ منها عدل } اللغة : والعدل ، والحق ، والانصاف نظائر . والعدل : نقيض الجور يقال : عدلا عدل واعتدل اعتدالا . وتعادل تعادلا وتعدلا . وعادله معادلة . وعدله تعديلا والعدل المرضي من الناس . يقع على الواحد والجماعة والذكر والانثى : فاذا قلت هم عدل قلت هما عدلان والعدل : الحكم بالحق يقال هو حكم عدل ذو معدلة في حكمه وعدل الشيء نظيره ومثله تقول عدلت بفلان فلانا اعدله . والعادل المشرك الذي يعدل بربه والعدل ان يعدل الشيء عن وجهه فيميله تقول : عدلته عن كذا وعدلت انا عن الطريق والعديل الذي يعادلك في المحمل أو نحوه ما كان . وسمعت العرب تقول : اللهم لا عدل لك أي لا مثل لك وفي الكفارة ( عدل ذلك ) أي مثله في العدل ، لا بالنظير بعينه والعدل الفداء ، لقوله : { لا يقبل منها عدل } وقيل ايضاً : ان العدل : الفريضة والصرف : النافلة وقوله { بربهم يعدلون } أي يشركون . وقيل لما يؤكل : معتدل اذا لم يكن فيه ضرر من حر أو برد . وتقول عدلته أى اقمته حتى اعتدل واستقام وعدلت فلانا عن طريقه والدابة عن طريقها : إذا عطفتها فانعدلت وانعدل الطريق . ويقولون الطريق يعدل الى مكان كذا وكذا . فاذا أراد الاعوجاج نفسه قال : ينعدل في مكان كذا وكذا أي ينعوج ، والاعتدال : الاستواء فلان عدل حسن العدالة ، واصل الباب العدل الذي هو الاستقامة . والعدل المذكور في الآية الفدية . روي ذلك عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو قول ابن عباس وابي الغالية . وقال قوم هو بدل والفرق بين العِدل والعَدل ان العدل بالكسر المثل تقول عندي عدل جاريتك أي جارية . مثلها فاذا قلت عندي عَدل جاريتك يجوز ان يكون قيمتها من الثمن . ومن قرأ بالتاء فلأن الشفاعة مؤنثة ومن ذكر قال : لأن التأنيث ليس بحقيقي ولأن الفعل تقدم على المؤنث فاشبه علامة التثنية والجمع اذا تقدم الفعل سقط كذلك ها هنا . ومثله قوله : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } وكقول الشاعر : @ فلا مزنة ودقت ودقها ولا ارض ابقل ابقالها @@ والتاء اجود ، لأنه أصل . والياء حسن . قوله { ولا هم ينصرون } . اللغة : والنصر والمعونة والتقوية نظائر . وضد النصر الخذلان . يقال : نصرته نصرا وانتصر انتصاراً . واستنصر استنصاراً . وتناصر تناصراً . قال صاحب العين : النصر عون المظلوم . وفي الحديث : " انصر اخاك ظالماً ومظلوماً " معناه ان كان مظلوماً فامنع منه الظلم . وان كان ظالماً فامنعه من الظلم وانهه . والانصار : كالنصار وانصار النبي " صلى الله عليه وسلم " اعوانه وانتصر فلان : اذا انتقم من ظالمه . والنصير الناصر . والتنصر الدخول في النصرانية . والنصارى . منسوبون إلى ناصرة ، وهي موضع . ونصرت السماء اذا امطرت . قال الشاعر : @ اذا خرج الشهر الحرام فودعي بلاد تميم وانصري ارض عامر @@ ونصرت الرجل : اذا اعطيته وانشد : @ ابوك الذي اجدى عليّ بنصرة فاسكت عني بعده كل قائل @@ وأصل الباب والمعونة والنصرة قد تكون بالحجة وقد تكون بالغلبة فالله ( عز وجل ) ينصر جميع المؤمنين بالحجة التي تؤيدهم . واما النصر بالغلبة فبحسب المصلحة ولا يدل وقع الغلبة لبعض المؤمنين على انه مسخوط عليه كما انه ليس في تخلية الله بين الكفار وبين الانبياء دلالة على حال منكرة . وقد قتل الكفار كثيراً من الانبياء ونالوا منهم بضروب من الأذى قال الله تعالى { ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق } وقوله : ثم بغي عليه لينصره الله معناه بالغلبة واما ما يأخذ له بالحق من الباغي عليه ، لينصر به من الله للمبغي عليه واقعة لا محالة والخذلان لا يكون الا للظالمين ، لأن الله تعالى لا يخذل اولياءه واهل طاعته . وقوله : { إن ينصركم الله فلا غالب لكم } أي بالمعونة التي توجب الغلبة ، لأن الله تعالى يقدر على اعطائهم ما يغلبون به كل من نازعهم ، ويستعلون على كل من ناوأهم . وحد النصرة : المعونة على كل من ظهرت منه عداوة ، وقد تكون المعونة بالطاعة فلا تكون نصرة . والفرق بين النصرة والتقوية ان التقوية قد تكون على صناعة والنصرة لا تكون الا مع منازعة . فاما قولهم : لا قبل الله منهم صرفا ولا عدلا . فقال الحسن البصري : الصرف : العمل . والعدل : الفدية وقال الكلبي : الصرف : الفدية والعدل : الفريضة وقال ابو عبيدة : الصرف : الحيلة . والعدل : الفدية . وقال ابو مسلم : الصرف : التوبة والعدل : الفداء